هل باب التطورات التكنولوجية ما زال مفتوحا؟
هل نعيش في فترة استنفاد التكنولوجيا، حيث يوجد عدد قليل جدا من التطورات والمنافسة تخاض من خلال إدخال تحسينات تدريجية صغيرة على الأفكار القديمة؟ أم أننا على مشارف تغيير متسارع، حيث توشك التطورات التكنولوجية على عدد من الجبهات أن تطلق العنان لأسواق رقمية جديدة عملاقة؟
لهذا السؤال مؤيدون أقوياء من كلا الجانبين، ويعد سؤالا أساسيا لأي وجهة نظر استثمارية للتكنولوجيا في الوقت الحالي.
يزعم مؤيدو "الخمول التكنولوجي" أن عددا قليلا من شركات التكنولوجيا الكبرى الاحتكارية تقوض الابتكار في الأماكن الأخرى، وأن نظام الحوافز لم يعد يكافئ المجازفة الحقيقية. على المستوى الأساس، كان المحرك الذي دفع التكنولوجيا للتقدم لعقود - اتجاه النمو المتسارع لأداء الحوسبة - يتراجع بشكل مستمر، حيث إن الجهود المبذولة لحفر ميزات بحجم صغير للغاية على رقائق السيليكون تقوضها حدود الفيزياء.
لكن هذا يتجاهل التطورات الحقيقية جدا في تصاميم المعالجات المتخصصة التي غيرت صناعة الرقائق. تخلت شركة نفيديا، التي تنتج معالجات الرسوم التي أصبحت العامل الرئيس لأنظمة الذكاء الاصطناعي اليوم، عن استحواذها على شركة أرم لتصميم الرقائق الشهر الماضي تحت الضغط التنظيمي.
لكنها مضت قدما هذا الأسبوع بإعلان رقائق جديدة من تصنيع شركة أرم التي تمثل قفزة في الأداء في وحدات المعالجة المركزية التي تشغل معظم أجهزة الحاسوب الخاصة بمراكز البيانات - وهو تحد مباشر لشركة إنتل وشركة إيه إم دي، اللتين تهيمنان على هذه السوق.
في الوقت نفسه، يقترب شكل جديد تماما من الحوسبة القائمة على الفيزياء الكمية من الاستخدام العملي. يتم إرساء الأساس في الوقت الذي تجلب فيه المعالجات الكمية - التي لا تقتصر على معالجة كل خطوة في الحساب بدورها لكن يمكنها أخذ مجموعة من الإجابات المحتملة بعين الاعتبار في آن واحد - تسريعا هائلا آخر لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي.
تطورات الأجهزة مثل هذه ليست سوى الخطوة الأولى. نقلها إلى الاتجاه السائد يتطلب إنشاء "حزمة" تكنولوجية كاملة - مستويات البرمجيات المطلوبة لتشغيل أنظمة الحوسبة الجديدة، وإنشاء منصات يمكن للمطورين الآخرين بناء أنواع جديدة من التطبيقات عليها.
ظهرت إحدى العلامات على كيفية إرساء هذا الأساس التكنولوجي الأوسع نطاقا الأسبوع الماضي مع الأخبار التي تفيد بأن "ساند بوكس إيه كيو"، وحدة برمجيات كمية تابعة لشركة ألفابيت، قد استقلت بأكثر من 100 مليون دولار من الدعم المالي الجديد.
يعمل تطبيق ساند بوكس على البرمجيات والأدوات لتطبيق التكنولوجيا الكمية على القضايا العملية، مثل جعل التشفير أكثر أمانا وتصميم أنواع جديدة من أجهزة الاستشعار المتقدمة. الشيء الوحيد المشترك بين هذه الأفكار هو حقيقة أنه لم يكن بالإمكان تجربتها من قبل.
حتى قبل أن يصبح الجهاز الجديد جاهزا، يتم إنشاء تطبيقات مثل هذه على أجهزة حاسوب "كلاسيكية" تحاكي كيفية عمل الأنظمة الكمية. تعمل شركات البرمجيات الكمية الأخرى، مثل "كيو سي وير"، من كثب مع الشركات المشاركة في صناعات مثل التمويل وعلوم المواد، وتتوقع أنه في وقت قريب سيتم العثور على الاستخدامات العملية الأولى.
على الرغم من أن "نفيديا" تعمل في مجال صناعة الرقائق، إلا أنها تتجه بشكل متزايد نحو البرمجيات لمحاولة دفع التكنولوجيا الخاصة بها إلى استخدام أوسع. كان السلاح السري لـ"نفيديا" لبعض الوقت هو برنامج كودا الذي يمكن المطورين من استخدام رقائق الرسوم الخاصة بها لأشكال جديدة من الحوسبة المتقدمة - ما يجعله، كما يفضل الرئيس التنفيذي جنسن هوانج تسميته، "نظام التشغيل للذكاء الاصطناعي".
تضيف الشركة الآن البرمجيات اللازمة للتوسع في أسواق جديدة. تشمل هذه البرمجيات القيادة الذاتية وإنشاء عوالم رقمية أكثر واقعية، سواء للتجارب ثلاثية الأبعاد المعروفة بـ"ميتافيرس"، أو للنسخ الرقمية المماثلة للعالم الحقيقي التي يمكن استخدامها لتشغيل عمليات المحاكاة ووضع التوقعات. لأنه شخص لا يتجنب النظرة المستقبلية الموسعة، استحضر هوانج أسواق برمجيات جديدة تبلغ قيمتها 300 مليار دولار ستكون مفتوحة الآن لشركته.
بقيمة تبلغ نحو 70 ضعف الإيرادات في ذروة الخريف الماضي، كانت أسهم "نفيديا" ضعيفة عندما تقلبت سوق الأسهم أواخر العام الماضي وتراجعت أكثر من الثلث. لكنها انتعشت نحو 30 في المائة بعد منتصف هذا الشهر في ترقب لإعلانات الشركة الأخيرة – في إشارة إلى أنه لا يزال هناك كثير من المستثمرين الراغبين في الوثوق بمستقبل متوسع.
متى سيأتي ذلك هو مسألة أخرى. السيارات ذاتية القيادة - واحدة من أكبر رهانات "نفيديا" - متأخرة عن موعدها بأعوام. على الرغم من كل الحديث في صناعة التكنولوجيا عن ميتافيرس، ليس من الواضح متى أو كيف ستبدأ هذه العوالم الرقمية الانغماسية في التأثير في الحياة اليومية للأشخاص العاديين. لكن الأسس التكنولوجية الجديدة على الأقل بدأت تتضح.