ريادة الأعمال .. قاطرة تحول القدرات الابتكارية إلى فرص تنافسية

ريادة الأعمال .. قاطرة تحول القدرات الابتكارية إلى فرص تنافسية
ريادة الأعمال لها أهمية خاصة في المنظومة الاقتصادية الدولية شريطة أن تكون معززة بالمعرفة والابتكار المتسارع.
ريادة الأعمال .. قاطرة تحول القدرات الابتكارية إلى فرص تنافسية

يتسم الاقتصاد العالمي في القرن الـ21 بدرجة عالية للغاية من المنافسة في ظل مناخ من العولمة المتزايدة.
تلك الوضعية جعلت لريادة الأعمال أهمية خاصة في المنظومة الاقتصادية الدولية، شريطة أن تكون تلك الريادة معززة بالمعرفة الجديدة والقدرة الابتكارية المتسارعة والمرونة الاقتصادية.
والاتجاه الراهن في الاقتصاد العالمي يتجه لمزيد من التحرر الاقتصادي، بحيث بات من الواضح أن تعزيز ريادة الأعمال على المستوى الوطني تعني زيادة القدرة التنافسية على المستوى الدولي.
تلك الصورة الإجمالية لأهمية ريادة الأعمال، تترافق مع نقاشات مهمة بين الخبراء تتخطى أهمية ريادة الأعمال للتنمية الاقتصادية عامة إلى نقاشات أكثر تفصيلا تدور في أغلبها حول الدور، الذي يمكن أن تقوم به في عملية التنمية الشاملة في البلدان النامية والاقتصادات الناشئة، والدور المنوط بها في مجال تحسين جودة المنتج، والأهم في كثير من الأحيان القدرة على إعادة تنظيم العملية الإنتاجية ذاتها، بما يخفض التكاليف ويزيد من الكفاءة والمرونة، ويترجم ذلك غالبا في نهاية المطاف في زيادة القدرة التنافسية على المستوى الدولي.
في هذا السياق، تحتل قضية القدرة الابتكارية موقعا مهما في ريادة الأعمال، وإذا كان الاتجاه السائد بصفة عامة أن الابتكارات أمر شديد التركيز في الاقتصادات المتقدمة، حيث يتم إنشاء الابتكارات، التي تنتقل في مرحلة لاحقة إلى الاقتصادات الناشئة لتطبيقها في سياقتها المحلية، فإن الأمر الجلي الآن أن للابتكارات وتحديدا ذات الطابع التكنولوجي، أهمية متزايدة في ضوء التحديات الآنية والمستقبلية التي تواجه قضايا التنمية الدولية، خاصة مع ما أكدته الأعوام الأخيرة من تداخل الآليات عمل الاقتصاد العالمي، الذي يبرز في تزايد تعرض الاقتصادات الوطنية للصدمات الخارجية، والأزمات المالية واسعة النطاق، أضف إلى ذلك القضايا ذات الطبيعة الكونية العامة وتحديدا قضايا المناخ والبيئة.
يرى الدكتور آر . تي توماس، أستاذ التنمية الاقتصادية في جامعة لندن أن أهمية ريادة الأعمال في التنمية الاقتصادية كشفت تغيرات جذرية في المفاهيم الاقتصادية التقليدية عامة وقضايا التنمية خاصة، كما أن تغيرات الاقتصاد الدولي تنعكس أيضا على المفاهيم السائدة لريادة الأعمال ذاتها.
ويقول لـ"لاقتصادية" إن "الاقتصاد الكلاسيكي يأخذ في الحسبان عاملين فقط من عوامل الإنتاج وهما العمل ورأس المال، لكن في الاقتصاد الحديث لم تعد تلك العوامل الوحيدة، بل إن الثقل النسبي لرأس المال والعمل ربما ينخفض أو يتراجع في مواجهة أهمية المعلومات والمعرفة الجديدة والقدرة الإبداعية وسرعة التكيف مع المتغيرات".
ويضيف "التطورات التكنولوجية في القرن الـ21 أدت لتحويل معظم استراتيجيات تكوين الثروة من استراتيجيات مادية إلى أخرى قائمة على المعرفة، بحيث يمكن القول أن التكنولوجيا والمعرفة باتا العوامل الرئيسة في الإنتاج، والميزة النسبية الوحيدة التي ستتمتع بها الشركات هي عملية الابتكار".
تلك القناعات بشأن أهمية ريادة الأعمال في الاقتصاد الحديث لا تنفي أن تفشي جائحة كورونا على المستوى العالمي أثر بشدة في ريادة الأعمال وأدائها، وذلك وفقا لتقرير مرصد ريادة الأعمال العالمي GEM، حيث قل عدد الأشخاص الذين بدأوا أعمالا تجارية جديدة، وفشل عديد من الشركات القائمة، إلا أن تقرير المرصد أظهر وجود مؤشرات واضحة على حدوث انتعاش اقتصادي عالمي، انعكست في المشاعر الإيجابية لريادة الأعمال بشأن إيجاد فرص جديدة وبدء عمل تجاري.
واستند التقرير إلى أكثر من 150 ألف مشارك في استطلاع بما لا يقل عن ألفي مشارك من 47 دولة.
وقد خلصت النتائج إلى أنه في 15 من الاقتصادات الـ47 التي جرى فيها استطلاع الرأي، وافق أكثر من نصف الأشخاص، الذين بدأوا أو أداروا شركة جديدة على أن الوباء أدى إلى فرص عمل جديدة. بينما كان الوضع في 2020 بخلاف ذلك، إذ إن تسعة فقط من بين 46 اقتصادا كانت مواقفه إيجابية، لكن المناخ الإيجابي، الذي يحلق في الأجواء لا يتناقض مع أن معدلات ريادة الأعمال لا يزال أقل في معظم البلدان، مقارنة بما كانت عليه في فترة ما قبل الجائحة.
إلا أن هناك استثناءات في ذلك ربما يكون أبرزها السعودية وهولندا وكلاهما شاهد زيادات في نشاط ريادة الأعمال في العامين الماضيين.
كما تبدو تلك الإيجابية فيما وصل إليه التقرير بوجود علاقة قوية بين نسبة رؤية الفرص الجديدة، وأولئك الذين يعدون من السهل بدء عمل تجاري، حيث احتلت الهند والسعودية والسويد المقدمة، وكان أكثر من أربعة من خمسة بالغين يرون فرصا جديدة للبدء في نشاط تجاري، ما يكشف الطبيعة التنافسية لتلك الاقتصادات.
لكن أهمية التقرير لا تقف عند هذا الجانب، إذ يشير أيضا إلى ما يعده بعضهم تغيرا مهما في خريطة ريادة الأعمال العالمية. فقد أدت القيود، التي سببها وباء كورونا وتحسين البنية التحتية الرقمية إلى تسريع وزيادة انتشار تبني التكنولوجيا الرقمية بين البلدان منخفضة الدخل، حيث تتوقع شركة واحدة من كل شركتين ناشئتين جديتين زيادة استخدام التقنيات الرقمية لبيع منتجاتها في الأشهر الستة المقبلة.
ولـ"الاقتصادية" تعلق أموجين سميث، الباحثة في مجال ريادة الأعمال والابتكار قائلة "رواد الأعمال الجدد أكثر استعدادا لتبني التقنيات الرقمية، مقارنة بأصحاب الأعمال الراسخين في جميع الاقتصادات باستثناء جنوب إفريقيا وفرنسا وكوريا الجنوبية، إلا أن رجال الأعمال الراسخين لديهم قدرة مالية أكبر وأقوى من رجال الأعمال الجدد لتبني الابتكارات الجديدة وتدريب العاملين عليها".
وتضيف "الفرصة تعد سانحة لنظرية التدمير الإبداعي، وهي نظرية متجذرة في الاقتصاد، حيث تصف بشكل مكثف العملية التي يقوم من خلالها رواد الأعمال بتعطيل الأنظمة والهياكل الحالية، التي غالبا ما تكون راسخة، واستبدالها بحلول مبتكرة جديدة، عبر اكتشاف الفرص غير المستغلة، التي يستفيدون منها، التي لا تدمر النظام الاقتصادي القائم، ولكنها تضيف إليه".
وتشير إلى أن قيام رواد الأعمال في الاقتصادات الناشئة بالدور المنوط بهم يتطلب التغلب على مجموعة من العوامل البنيوية في الاقتصادات المحلية، أبرزها الضعف التنظيمي والقيود المالية المتعلقة بالسوق المحلية، وأهمية الترتيبات غير الرسمية ودور الشبكات والعلاقات الشخصية، وجميعها عوامل تعوق من القدرات القصوى لرواد الأعمال وقدراتهم الابتكارية.
في ظل هذا الاهتمام الدولي بريادة الأعمال كقاطرة تجعل من القدرة الابتكارية والفرص التنافسية مدخلا للحصول على حصة أكبر في الأسواق العالمية، عبر تقديم كثير من الحلول المبتكرة للتحديات المختلفة، التي تواجه المجتمعات، ينظر إليها بعض الخبراء من منظور مختلف بصفتها وسيلة للتوسع الإقليمي ومزيدا من الشراكة الاقتصادية الإقليمية، ما يساعد على توسيع الأفق الاقتصادي لشركات الأعمال الوطنية.
الخبير الاستثماري ديفيد كريس يرى أن الشركات الصغيرة التي يقودها رواد الأعمال يمكنها أن تقود عملية تنموية ذات طبيعة إقليمية عبر تصدير السلع والمنتجات إلى المناطق المجاورة، بما يجعلها تسهم بشكل مباشر في إنتاجية الإقليم وأرباحه، وبالطبع، فإن الزيادة في المبيعات والإيرادات والأرباح تقوي الاقتصاد وتعزز الرفاهية العامة للسكان.
ويقول لـ"الاقتصادية" إنه "بصرف النظر عن السياسة وخلافاتها، فإن الاقتصادات، التي تتاجر مع بعضها بعضا أفضل حالا، والانخراط في التجارة الإقليمية والدولية يعزز الاستثمار في النقل الإقليمي والبنية التحتية، ما يعزز الاقتصادات أيضا".
لكن ربط ريادة الأعمال بالنشاط الإقليمي يطرح أيضا تساؤلات حول دور الابتكار في تعزيز هذا الاتجاه.
ويعلق المهندس كارل جلبرت، أستاذ الإدارة والنظم الابتكارية في جامعة أكسفورد لـ"الاقتصادية" قائلا "يقيس التعريف المقبول على نطاق واسع الابتكار باستخدام مجموعة من المعايير بما في ذلك عدد المنتجات الجديدة، التي يتم اختراعها، والنسبة المئوية للوظائف عالية التقنية، وحجم مجموعة المواهب المتاحة لأصحاب العمل في صناعة التكنولوجيا، وفي الآونة الأخيرة توسع تعريفنا للابتكار ليشمل تطوير عروض الخدمات الجديدة ونماذج الأعمال وخطط التسعير والطرق إلى السوق".
ويضيف "القدرة على تحويل الأفكار إلى منتجات وخدمات جديدة يحتاج إليها الناس يعد ينبوع الرخاء لأي دولة متقدمة، فالنمو الاقتصادي بشكل عام يكون مدفوعا بالتكنولوجيات الجديدة وتطبيقاتها الإبداعية".
باختصار يمكن القول إن التاريخ الاقتصادي يشير إلى أن فترات الابتكار السريع غالبا ما تكون مصحوبة بفترات من النمو الاقتصادي القوي، حيث يظل الابتكار أعظم مورد ليس لتحقيق النمو، وإنما أيضا لحل المشكلات، التي تواجهها الإنسانية.

 

أرقام رواد الأعمال في العالم 2022

 

• 582 مليون رائد أعمال في العالم

• 5.4 مليون شركة أمريكية بدأت نشاطها في 2021

274 مليون سيدة مساهمات في شركات ريادية

• 72 % من الشركات التي يملكها الأمريكيون الأفارقة مربحة

• 67.7 % من أغنى الأفراد عصاميون

• 18.7 % من الشركات في ريادة الأعمال العائلية

الأكثر قراءة