كارثة فيضانات ليسمور .. قد يكون الإخلاء الحل الوحيد
كان بريت جيرارد في بيته المتنقل على ضفاف البحيرة، عندما بدأ هطول أمطار غزيرة بشكل غريب على بلدة ليسمور الأسترالية.
كانت رغبة جيرارد، البالغ من العمر 54 عاما، هي الهرب، لكن طلب منه ومن أصدقائه انتظار المساعدة. بعد ساعات، كانت المياه قد ملأت بيته المتنقل. قالت "خدمات الطوارئ"، "إن محاولة الإنقاذ أصبحت الآن خطيرة للغاية". لذلك أمضى أكثر ليلة مرعبة في حياته متشبثا بعمود على جانب مبنى في موقف بيته المتنقل، ومياه الفيضانات تدور حول رقبته.
قال "كان الماء يتدفق بطريقة لا يمكن أن تصدقها. كنت أركل الأبقار بعيدا عن العمود الخاص بي، كانت تحاول أن تتخطاني وتصعد إلى السطح. كانت هناك أبقار تغرق في كل مكان.
أصبحت الآن بلا مأوى وأقيم في مركز إجلاء قريب"، شعر جيرارد أنه "ترك ليموت" من قبل السلطات التي لم تكن مستعدة لكارثةٍ، قال الخبراء "إنها كانت متوقعة تماما".
"قنبلة المطر" التي ضربت ليسمور في نيو ساوث ويلز في 28 شباط (فبراير) كانت غير مسبوقة. خلال 24 ساعة، هطل ما يصل إلى 700 ألف لتر من الأمطار، أكثر مما تستقبله لندن عادة في عام كامل. تسببت في ارتفاع نهر ويلسون القريب إلى 14.4 متر فوق مستواه الطبيعي، ما جعل الماء يغطي معظم أجزاء وسط المدينة. توفي أربعة أشخاص.
بعد بضعة أسابيع، أصبحت ليسمور كأنها منطقة حرب. غطت أكوام الركام والمخلفات سطح الشوارع. تقوم شاحنات الجيش بدوريات في المنطقة، حيث تجلب الإمدادات وتساعد جهود التنظيف. كل واجهة متجر تظهر الدمار نفسه، النوافذ محطمة، والسقوف منهارة، ولا شيء يمكن إصلاحه.
قالت ميجان كوزاك، محامية امتلأ مكتبها بالماء حتى السقف تقريبا، "إنها لم يكن لديها تأمين على المحتويات. لا يمكنك الحصول على تأمين ضد الفيضانات هنا، إلا إذا كنت ترغب في إنفاق 20 ألف دولار أسترالي (14500 دولار أمريكي) سنويا". قدرت الضرر بمائة ألف دولار أسترالي.
روبين جيلمور، مالك فندق سيفيك هوتيل، حيث وصلت مياه الفيضانات إلى الطابق الثاني، قدر خسائره بنحو 2.5 مليون دولار أسترالي. قال ماكس أحد السكان المحليين (74 عاما)، الذي كان لا بد من إنقاذه من الشرفة الأمامية التي غرقت في مياه عميقة، "إنه سيضطر إلى استخدام معاشه التقاعدي لدفع تعويضات الأضرار". كلاهما لم يكن لديه تأمين.
ليسمور ليست سوى واحد من المجتمعات التي لا حصر لها، بداية من بريسبان إلى سيدني، التي ضربتها الأمطار الغزيرة والفيضانات المفاجئة في أواخر شباط (فبراير) وأوائل آذار (مارس). قدر مجلس التأمين الأسترالي إجمالي المطالبات عند 2.2 مليار دولار أسترالي وما زال الرقم يتزايد. هذا التقدير لا يأخذ في الحسبان الخسائر الضخمة غير المؤمن عليها.
كما هي الحال مع الفيضانات في ألمانيا ونيويورك العام الماضي، وحرائق الغابات بداية من كاليفورنيا وجنوب أستراليا إلى غابات الأمازون، هذه الظاهرة المناخية المتطرفة الأخيرة التي حطمت الأرقام القياسية أثارت مناقشات عاجلة حول تغير المناخ.
صدر أحدث تقرير للجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، في اليوم نفسه الذي اجتاح فيه الفيضان ليسمور، ويصرح "بثقة عالية" بأن "أحداث هطول الأمطار الغزيرة الأخيرة التي أدت إلى فيضانات كارثية زاد احتمال حدوثها بسبب تغير المناخ البشري".
قال مارك كروسويلر، الرئيس السابق لفريق عمل "القدرة الوطنية" التابع للحكومة "ما نراه يتجلى هو ما توقعناه منذ فترة طويلة. نحن نشهد آثار أعوام عديدة من القرارات غير الكافية المتعلقة بالمكان والطريقة التي وضعنا بها أنفسنا على الأراضي الطبيعية".
قال جيف سمرهايز، كبير منظمي التأمين السابق وهو الآن كبير المستشارين في شركة بولينايشن الاستشارية في مجال تغير المناخ "نحن نأخذ وجهات نظر سابقة متعلقة بالكوارث، لكننا نعلم أنه مع تغير المناخ، لم يعد الماضي متنبئا بالمستقبل".
وأضاف "إن التأمين يغطي الأحداث غير المتوقعة، لكن تغير المناخ يعني أن كثيرا من المخاطر التي كانت تعد في السابق غير مرجحة أصبحت الآن محتملة، وبالتالي غير قابلة للتأمين".
انسحبت شركات التأمين من معظم أنحاء شمال أستراليا، المعرضة بشكل خاص للأعاصير، ما دفع الحكومة العام الماضي إلى تقديم صندوق تابع لها لإعادة التأمين على الأعاصير بقيمة عشرة مليارات دولار أسترالي. توجد صناديق حكومية مماثلة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة واليابان. قال سمرهايز "لكن كل هذا يعني أن دافع الضرائب هو الآن شركة التأمين".
وأضاف "إن تحسين معايير البناء وقواعد التخطيط وزيادة الإنفاق الحكومي على مشاريع البنية التحتية مثل السدود وتحسين الاستجابة للطوارئ من شأنه أن يقلل كثيرا من المخاطر"، وزاد "إنه في بعض الحالات، قد يكون الخيار الأفضل هو الإخلاء الدائم للمناطق، وهي سياسة تعرف باسم الإخلاء المنظم".
في 2011، تعرضت جرانثام، التي تبعد عن ليسمور ثلاث ساعات بالسيارة، لفيضانات خلفت 12 قتيلا. بعد ذلك بوقت قصير، نظم رئيس البلدية "تبادلا للأراضي" بتمويل من الحكومة، الذي سمح للسكان المحليين بالانتقال إلى قطعة أرض مرتفعة قريبة. بعد عقد من الزمان، أصبحت جرانثام الجديدة عبارة عن مجتمع راسخ يضم نحو 70 منزلا بعيدا عن التعرض للفيضانات.
قالت ماري ماكيرلين "70 عاما" التي نقلت منزلها بالكامل إلى أعلى التل، "إن الإخلاء المنظم كان ناجحا"، وأضافت "إنه أفضل شيء فعلوه على الإطلاق، بقدر ما كنت أشعر بالقلق. لو لم يفعلوا ذلك، لكان هناك مزيد من الأرواح المفقودة. كان يمكن أن يكون هناك مزيد من الدمار".
سيكون تكرار العملية في مدينة أكبر مثل ليسمور أكثر صعوبة. القيام بذلك في المناطق الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم - بداية من شنغهاي وكلكتا إلى ميامي التي تتجه إلى أن تكون غير قابلة للتأمين أولا، ثم غير صالحة للسكن بسبب تغير المناخ - سيكون صعبا للغاية مرة أخرى.
لكن كروسويلر أصر على أن الإخلاء المنظم قد يكون الحل الوحيد لكثير من المجتمعات.
وقال "هذه أسئلة صعبة للغاية بالنسبة إلى المجتمع، لأن الناس مرتبطون جدا بالمكان". ليس من السهل التفكير في الأمر، لكنها لا تزال محادثة نحتاج إلى التفكير بشأن الخوض فيها".