رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


وكيل الوزارة للمراجعة الداخلية .. والأسقف الزجاجية

استوقفني خبر قبل مدة عن استحداث وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان منصب وكيل الوزارة للمراجعة الداخلية، ثم حاولت البحث عن أي وزارة أخرى لديها المنصب نفسه لكنني لم أجد، وسواء كانت هناك وزارات أخرى وضعت مثل هذا المنصب أم لا، فإن الوزارة تعد سباقة في تعزيز وظيفة المراجعة الداخلية ودورها في إضافة القيمة. لقد دأبت معايير المراجعة الداخلية الحديث عن رئيس المراجعة الداخلية باستخدام منصب الرئيس التنفيذي للمراجعة الداخلية، ذلك أن دور المراجعة الداخلية في إضافة القيمة للمنشأة لن يتحقق إذا كان المراجع الداخلي أقل منصبا من الرئيس التنفيذي، والسبب يعود إلى موضوعات عدة تحد من قدرة وظيفة المراجعة الداخلية عن تحقيق أهدافها، فإذا كان المراجع الداخلي مجرد موظف صغير أو أقل منصبا من الرئيس التنفيذي بمراحل عدة ومن جميع النواحي الفنية والخبرات حتى السن، فإن الحوار بين الطرفين لن يتجاوز الآذان، فلن يعي الرئيس التنفيذي دور المراجعة الداخلية، ثم إن وضع المراجع الداخلي بهذه الصورة له تأثير خطير بسبب مستويات الخبرة، ولقد وقفت شخصيا على مخالفات كبيرة لمعايير العمل الميداني من مراجعين داخليين صغار كل همهم هو إرضاء الرئيس التنفيذي أو تحديه، وكلا الأمرين خطأ. ولكن بسبب الفرق الإداري والفني بين الطرفين ظهرت تشوهات خطيرة في العمل، ولقد أدرك واضعو المعايير الدولية هذه العلاقات فكانوا يستخدمون عبارة الرئيس التنفيذي للمراجعة الداخلية من أجل الإشارة إلى المكانة الوظيفية والخبرات الفنية المطلوبة لهذا المنصب، وإذا كان عديد من الشركات في القطاع الخاص، قد أدرك ذلك فتم وضع منصب الرئيس التنفيذي للمراجعة الداخلية بما يمكنه من الحوار مع الرئيس التنفيذي للشركات حوارا بناء هدفه ضمان تحقيق أهداف الشركة، وتجنب المخاطر، وفق التزام مناسب بقضايا الحوكمة، فإن منصبا بهذا الشكل يمكن الرئيس التنفيذي للمراجعة الداخلية من بناء الخط الرقابي بطريقة متوازنة مع الوظائف الإدارية في الشركة واستقطاب مهارات جيدة، كما أن في هذا كله حماية لاستقلال وظيفة المراجعة ولموضوعية المراجع الداخلي، فالتدرج الوظيفي محمي تماما دون قلق العودة إلى السياق التنفيذي من أجل الترقية. كل هذا واضح مفهوم في سياق القطاع الخاص لكن كان يبدو لي صعوبة إنجاز مثل هذه الترتيبات في القطاع العام خاصة السعودي، ذلك أن اللائحة الموحدة لوحدات المراجعة الداخلية قد اختارت منصب مدير المراجعة الداخلية منصبا فنيا في المقام الأول، وقد حددت مرتبته بالـ12، ولهذا فقد كانت العلاقات شائكة جدا بين مدير المراجعة الداخلية وبين قيادات عديد من الجهات الحكومية الذين كانوا أعلى منه مرتبة في الواقع وبمراحل كبيرة بل هناك فجوة خبرات لمصلحة القيادات، لكن رغم هذه الإشكالية كانت النصائح التي نقدمها هي الربط المباشر مع المسؤول الأعلى للجهة، والتأكيد على العلاقات من خلال ميثاق المراجعة الداخلية لكن مع ذلك فإن التنظير شيء والواقع شيء مختلف، وقد تعطلت أعمال المراجعة الداخلية بسبب تلك العلاقات الصعبة. وإذا أضفت إلى ذلك أن المراجع الداخلي وهو بالمرتبة الـ12 يهدف إلى الترقية مثله في ذلك مثل بقية الموظفين ويطمح إلى الوصول للمراتب القيادية التنفيذية العليا من مثل وكيل الوزارة، وهذه الترقية تتطلب فيما تتطلب أن تمر على الوكلاء الذين سيقررون منحه الترقية أم لا وهذا يحد بطريقة أو بأخرى من هوامش العمل لديه، وهو أيضا مهدد من مهددات الموضوعية التي لا شك فيها. لقد كانت هذه التحديات واضحة لكن الحلول شبه معدومة، أو لنقل المبادرات.
واستحداث الوزارة المنصب إدراك بحقيقة معنى القيمة المضافة للمراجعة الداخلية، وبعد أن كان المراجعون الداخليون ينظرون إلى هذه المناصب القيادية من وراء الأسقف الزجاجية ما أزهد كثيرا منهم في المهنة وأدى إلى العزوف عنها، أصبح المراجعون الداخليون في الوزارة قادرين على المضي قدما في مراتبهم الإدارية بشكل يضمن لهم الترقيات ويضمن لهم الاستقلال والموضوعية تماما وهو ما سينعكس حتما على الأداء العام لهم، ليس هذا فحسب بل إن وجود منصب وكيل الوزارة للمراجعة الداخلية تطبيق صحيح تماما لمنصب الرئيس التنفيذي الذي تشير له المعايير الدولية على أساس أن الوزير هو أعلى سلطة وهو يمثل مجلس الإدارة ورئيس مجلس الإدارة، هكذا تستقيم العلاقات الوظيفية في الوزارة بما يمكن المراجع الداخلي من تنفيذ مهامه واستخدام الموارد الاقتصادية بكفاءة أعلى، يضع الخطط ويوزع المهام ويناقش القضايا ذات الصلة بقوة وبندية مناسبة دون ضعف ولا تنمر، بل حوار حقيقي جاد بين وكلاء الوزارة جميعا يدفعهم في ذلك هدف واحد وهو المصلحة العامة التي تنفذها الوزارة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي