رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


المدير المتناقض

كان التعامل المباشر مع أحد المديرين الناجحين الذي يصنع النتائج الرائعة وله اسمه في السوق أمرا مفاجئا جدا، متحدث جيد لكن لديه عادات سيئة، يجيد صنع القرار لكنه كثير الاختفاء، يندمج حين يندمج لكنه يتجاوز على الآخرين أحيانا. آخر يشتكي من مدير مبدع وإداري حذق لكنه لا يعترف بالمبادئ الذي يعرفها الجميع، يحذر من المخالفات لكنه يدفع تجاهها، يطلب التطوير في جوانب ويحطم التطوير في أخرى. ومدير يقولون عنه: إنه رائع إذا تحدث لطيف إذا حضر لكن سياسته تستند إلى الباب المغلق وليس المفتوح، لا تستطيع الوصول إليه، فهناك عدة حواجز تقف في طريق من يود التواصل معه. وأخيرا هناك مدير يرافقه الإنجاز أينما حل، وينجز كل من يتبعه، لكنه ثقيل الدم، وأحيانا يتنمر حتى على أقرب الناس له.
التناقض أمر مستغرب والمتناقض مستفز، من أكثر الأسئلة التعجبية التي تجدها بين الأصدقاء والرفقاء: "إيش التناقض هذا؟" ربما لأننا نفترض أن التطابق والتوافق في الصفات هو الأساس، وربما لأننا نعتقد أن الخصال الحسنة تجر بعضها بالضرورة، وربما لأننا نحكم بما نعتقد أنه المنطق السليم والوضع الصحيح حسب خبراتنا القليلة ووجهة نظرنا المحدودة دائما، لكن الواقع مختلف. مع أننا نرجو التحسين المستمر والشامل في كل أمر من أمور حياتنا خصوصا الحياة العملية، وقد نسعى للمثالية والكمال، إلا أن الحصول على ذلك مستحيل.
من الواقعية أن نجتهد في مساعينا دون أن يتحول السعي خلف الكمال إلى واقع سلبي يؤثر فينا، وفي الوقت نفسه نتقبل الشخصيات التي تؤثر فينا بأدوارها ومواقعها حولنا، ونستوعب وندرك تناقضاتها واضطراباتها واختلافاتها. وليس من المهم هنا أن نحلل هذه الشخصيات أو أن نفهم خلفيات وأسباب تصرفاتهم، فهذا شأنهم، وتلك طبيعتهم. هذا أمر موجود في كل من نجده في دوائرنا، بما في ذلك الموظف الزميل، والموظف المدير. وإذا تحدثنا عن المدير تحديدا، سنجد من يضخم أثناء تعامله مع مديره الجوانب السلبية التي يشاهدها، وربما يصنع بفكره الحواجز التي تمنعه من رؤية الجوانب الإيجابية. هذا كفيل بأن يؤخر استفادته مما يقدم الأمور، ويحسن التعلم، ويرفع الإنتاجية، إذ تجده يعجز عن تقبل أسلوب لا يتفق معه، أو سلوك يستغرب وجوده.
عمليا، يصعب أن يتوافق الموظف مع كل ما يستخدمه مديره من أساليب إدارية أو تعاملات مباشرة أو سلوكيات شخصية. هناك دائما ما نندمج معه بسهولة وتلقائية، وهناك ما هو على النقيض، ما يصعب تقبله ولا يستساغ بسهولة. وهنا تحديدا، تأتي مهارة إدارة المدير بشكل فعال upward management، وتقديم مصلحة العمل حين تتوافق مع مصلحة الموظف المتمثلة في تطوره ونتاجه. ترفع هذه المهارة من فرص التوافق الكلية، وتقلل احتمالات النزاع والاختلافات التي تعطل التقدم، وتعمل كحاجز تفاد للتردد والشك وضعف الثقة.
هناك بالطبع حالات يجب ألا يضغط الموظف فيها على نفسه بالقبول أو حتى البقاء في مكان عمله، مثل تلك التي يمارس فيها المدير تجاوزات أخلاقية كبرى كالغش والاحتيال، أو حين يمزج تصرفاته بالسلوكيات غير السوية وما يندرج تحتها. إذا وصل التناقض لهذه المرحلة فهي تتجاوز التناقض المقبول ولها ما يناسبها من معالجة على مستوى المنظمة أو مستوى الموظف شخصيا. وفيما عدا ذلك من تناقضات في أساليب العمل أو فيما يتوافق ويختلف عليه الأفراد، فهو محل الممارسة والمواءمة.
الموظف المحترف الماهر يعرف ما يجب أن يتقبله من تناقضات، ويقدر ذلك في زملائه ومديريه، ويجيد الاندماج معها، ولا يجعلها تؤثر سلبا في عطائه. لا يخلو شخص من هذه التناقضات التي قد نستغربها، فهناك ذكي لماح لكنه هادئ أو يشوبه الكسل، وهناك المبدع الذي يندمج مع غيره بسهولة، وهناك النشيط المتحمس الذي يتحرك بالقرب من الخطوط الحمراء والحدود الممنوعة. في كل منظمة ضوابط تحاول أن تحد هذه الاختلافات، وأحيانا تسمح بها وتشجعها، لكن الأكيد أن كل فرد سيواجه ما لا يألف منها بغض النظر عن سياسة المنظمة وثقافتها. استيعاب هذه الفوارق والتفريق بين ما يقبل منها وما لا يجب أن يقبل فن ومهارة، يكسب من يجيدها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي