معزوفة الوطن
مجموعة من الكلمات لها وقع السحر لا تستطيع عند سماعها إلا أن تهب واقفا وتضع يدك على قلبك تشعر بالفخر والعنفوان وكأنك خارج للتو من معركة كان فيها النصر حليفك. تلك كلمات النشيد الوطني التي تتغنى بحب البلاد وتفتخر بتاريخها وتعزز الأمل في مستقبله!
تعودنا سماع كلماته في المناسبات الوطنية والرسمية وعلى ألسنة طلاب المدارس في الطوابير المدرسية وفي ساحات الملاعب والميادين الرياضية وفي حفلات التتويج.
وهو أمر ليس مستحدثا حيث يعود تاريخ بداياته إلى العصور البدائية والوسطى، فقد كانت المجاميع البشرية تردد الأهازيج والأناشيد لبث الحماس عند القتال، ثم أصبحت فرقة خاصة ترافق الجيوش لتدق الطبول وتردد الأناشيد ثم دخلت بعدها الأبواق قوية الصوت لرفع معنويات الجنود وتعزيز حماستهم، تطور الأمر في العصور الحديثة وأصبح النشيد يستخدم لتعزيز حب الوطن، إضافة إلى تجييش المشاعر والتجهيز لمواجهة العدو!
لكن الفكرة تبلورت وبدأت تأخذ طابع آخر في القرن الـ19، وأصبح لكل دولة نشيد وطني خاص بها، وأول نشيد وطني رسمي يعود إلى اليابان ويدعى "كيمي جا يو"، وهذا النوع من القصائد كان مألوفا في القرن العاشر الميلادي واتخذ شكله في 1880، والبعض يعد أن النشيد الهولندي هو الأول الذي كتبت كلماته في 1569، واعتمد رسميا في 1932، بعدها تم تحويل الأناشيد إلى مقطوعات موسيقية وكان في مقدمة الدول التي شهدت التحول، الولايات المتحدة وبات النشيد الوطني تقليدا سارت عليه بقيت الدول وأصبح رمزا لسيادة الأوطان.
وبعد أن وضعت الحربان العالميتان أوزارهما تغير وجه العالم وخريطته الجيوسياسية فاختفت ممالك وإمبراطوريات وتفككت إلى دول مستقلة وظهرت الجمهوريات القومية، ونتيجة لذلك انتشرت الأناشيد الوطنية لتوحد الشعوب وتشعرهم بالانتماء والفخر بأوطانهم وتنمية الرغبة في التضحية من أجلها. أما العرب فقد أتقنوا جيدا توظيف الشعر والنثر في إثارة الحماسة والتعبير عن الانتماء، ففي العصر الجاهلي كان العرب يرددون أناشيد ذات إقاع منظوم عندما يتحركون في قوافل الإبل، وفي صدر الإسلام استقبل الأنصار الرسول بالأناشيد.
وفي العصرين الأموي والعباسي ثم العصور التي تلتهما دخلت عليها الثقافة الغربية التي أسهمت في تطوير الأناشيد بالآلات الجديدة حتى وصلت إلى شكلها الحالي. وتختلف الأناشيد في الطول، ويعد النشيد الوطني الياباني هو الأقصر في العالم، ويتكون من نحو 15 كلمة فقط، أما أطول نشيد وطني فيعود إلى الأورجواي يتطلب الاستماع له أكثر من خمس دقائق!