هل للأثرياء مشكلات نفسية مختلفة؟

هل للأثرياء مشكلات نفسية مختلفة؟
بين 2014 و2019، ارتفع عدد الأشخاص الخاضعين للعلاج النفسي في المملكة المتحدة 5 في المائة. "جيتي"

في إحدى حلقات برنامج تلفزيون الواقع "إن ثيرابي"، من برنامج المحللة النفسية سوزي أورباخ الإذاعي في 2016 الذي يستند إلى حوارات مسجلة على مراحل في غرفة استشارات أورباخ الحقيقية، تواجه هيلين، محامية من الطبقة المتوسطة العليا في أواخر العشرينيات من عمرها، مشكلة شخصية مزعجة. إفشاؤها لتلك المشكلة فتح نقاش حول ما إذا كانت حياتها الناجحة تشعرها بالرضا.
تقول أورباخ للمستمعين، "إنها واثقة جدا في الظاهر، لكنها متزعزعة من الداخل". في حلقة أخرى، نقابل تشارلز، وهو مدير إحدى شركات الإعلان التي تتعرض "للإذلال" بسبب استحواذ شركة إعلامية ناشئة عليها. بعد ذلك، وجد نفسه يعود إلى التدخين بعد عشرة أعوام من الإقلاع عنه.
هذه الشخصيات - التي قدمتها أورباخ والمخرج المسرحي إيان ريكسون بعناية - توضح بعض تجارب النماذج الحضرية ذات الامتيازات التي راقبتها أورباخ خلال خمسة عقود من ممارستها للطب النفسي. منذ أعوام التدريب الأولى لها في نيويورك إلى الـ40 عاما التي قضتها في مجتمع لندن التحليلي، بما في ذلك تحليلها لبعض الشخصيات مثل الأميرة ديانا، اكتسبت أورباخ بصيرة معينة لما يجول في أذهان الأثرياء، على الرغم من أنها تؤكد أن ممارستها لا تقتصر على "الأثرياء"، قائلة، "لا أعتقد أن أي معالج نفسي جدير بالمهنة يهتم فقط بخدمة فئة واحدة من الناس".
لا تزال أورباخ، التي تبلغ من العمر 75عاما، تعمل بدوام كامل واستقبلتني رغم جدولها الزمني الضيق في وقت الغداء الثلاثاء. التقينا في منزلها في بيلسايز بارك شمال لندن. أورباخ امرأة حازمة ومفعمة بالحيوية، وتحافظ على التواصل البصري باهتمام بينما كان الحديث يدور بيننا، ما جعلني أحيانا أشعر وكأنني موضوع لتحليلها.
تعززت مكانة العلاج النفسي بالكلام في الثقافة الصحية أخيرا. بين 2014 و2019، ارتفع عدد الأشخاص الخاضعين للعلاج النفسي في المملكة المتحدة 5 في المائة، وفقا للجمعية البريطانية للإرشاد والعلاج النفسي، بينما أدت الجائحة إلى ارتفاع الطلب عليه. بالنسبة إلى الصفوف المتزايدة من الأثرياء، أصبح من المعتاد بشكل متزايد رؤية المعالج النفسي كجزء من حاشية الأشخاص الذين يعتنون بك.
لكن، في حين قد يبدو أن للأثرياء مخاوف مختلفة عن بقيتنا - كالعلاقات المشوهة والهوس بالتركة والإرث التي تم تصويرها في المسلسل التلفزيوني "سكسيشين" - بحسب تجربة أورباخ، فإنه لا يوجد شيء يسمى "مشكلات الأثرياء". مهما كانت طبقة الشخص أو خلفيته العرقية، كما تقول، فإن "ما يشغلهم، عند مجيئهم إلى العلاج النفسي، لا يختلف كثيرا عن غيرهم".
مع ذلك، تتابع أورباخ، بالطريقة نفسها التي يكون فيها للمال "معنى كبير" على أي مستوى، فإن له "تأثيرا كبيرا في الأشخاص الذين يقضون أيامهم في تحريك الملايين من الأموال". بعد أن أشرفت على كثير من المحللين الذين تعاملوا مع مديرين صناديق تحوط كعملاء لهم، شهدت أورباخ كيف أنهم "بشر مشوشون، لكنهم على الأرجح مشوشون أكثر من الناحية المالية من أي شخص آخر. في بعض الحالات التي أشرفت عليها كان هناك جنون حول المال أو التفكير بأن ليس لديك ما يكفي من المال عندما تصل إلى مرحلة معينة وأنت ببساطة لديك ما يكفي من المال".
سألتها عندما تحدثنا مرة أخرى، هذه المرة على الهاتف، في صباح الإثنين التالي عن "الأثر" اليومي لتحريك الملايين من الأموال. تقول أورباخ، "أعتقد أن هناك نوعا من القلق المنكر"، الذي يمكن أن يظهر بعد ذلك على شكل إدمان أو شعور بالذنب أو القدرة المطلقة. قالت، "إذا كنت تفعل شيئا على نحو قهري، أو إذا كنت تفعل شيئا بشكل متكرر - كالنظر إلى الشاشة أو عقد الصفقات طوال الوقت - ما يفعله ذلك هو السماح لك بالتركيز على الصفقة بدلا من التركيز على التعقيد الذي يسببه في داخلك".
في بعض الحالات، التكرار يلغي الحاجة إلى مواجهة التداعيات العاطفية الحتمية من هذا النوع من العمل عالي الخطورة - من اتخاذ القرارات بناء على التخمين واتخاذ قرارات سيئة وتحمل ضغوط هائلة. قالت، "ليس الأمر بحد ذاته أنك مدمن، لكنها طريقة من عدم التفكير فيما فعلته".
وظيفة أورباخ هي معرفة ما الذي نريد اللحاق به في هذا الشعور القهري بتحقيق النجاح والإنجاز، "ما هو انعدام الأمن؟ ما هي وظيفة الشعور بالحاجة طوال الوقت؟ لماذا أؤذي نفسي من خلال الشعور بعدم الكفاية بينما أنا في الواقع قادر تماما؟". تابعت قائلة، "قد يفسر ذلك من الناحية النفسية بأنه يأتي من الشعور بالفراغ العاطفي أو الحرمان أو الحاجة. هناك مرحلة لا يحل فيها المال هذه المشكلة، إن خسران ما لم يحصلوا عليه لا يحل بالمال في الوقت الحاضر. مع ذلك، إذا كانوا مقتدرين على إنجاز عمل مثير للاهتمام أو تحقيق ما يكفي في حياتهم، فهذا في حد ذاته شكل من أشكال التغذية التي يمكن أن تغير هذا الشعور بالحاجة".
تقول أورباخ إن التمسك بهذا الشعور القهري هو الاستمرار في الاعتقاد "أنا لست جيدا بما فيه الكفاية، لن يكون لدي ما يكفي أبدا". مثلا، هيلين، هي ظاهرة بين الشابات التي راقبتها أورباخ على مر الأعوام، فهي امرأة ناجحة للغاية، ومستقرة، لكنها تشعر بأنها "غير موجودة لنفسها"، كما قالت أورباخ في مقابلة لها مع الكاتبة ليزا أبينانيزي. "لا يمكن أن تغذيها إنجازاتها".
إنها حريصة على وضع هذا النموذج الأصلي في سياقه الاجتماعي، تأتي هيلين من "جيل لم تتح فيه للأمهات فرصة تحقيق طموحاتهن"، لذلك ألقين بخيبة الأمل هذه على بناتهن، ما منحهن الدافع من أجل النجاح ولكن ليس تقبل الاستكشاف والتجريب.
لدي فضول حول كيفية تعامل أورباخ مع نقطة معينة من الصراع، جزء من العمل الذي يتم في غرفة الاستشارات هو النظر إلى غرائزنا تجاه الإفراط وتحليلها. كيف تتكيف هذه العملية مع العمل والعملاء الذين يسعون دائما من أجل المزيد؟ أجابت أورباخ، "إنه أمر مضحك، لأنني أفكر في شخص أرى أنه مهتم حقا ببعض هذه الأسئلة - 'أريد أن أكون في هذا المنصب، لكنني في الواقع لست بحاجة إلى أن أكون فيه، لست بحاجة إليه كي أصل إلى ما هو أبعد من ذلك'. لقد حسموا هذه المسألة لأنفسهم".
بعبارة أخرى، كما تعتقد أورباخ، لا بأس أن يأخذ الناس من العلاج بقدر حاجتهم ثم يتوقفون عنه. تقول، "ما الخطأ في أن تكون قادرا على الشعور على النحو التالي، 'لقد فهمت هذه الأمور، والآن وجدت طريقة جديدة لأقف على قدماي لا تتعلق بالتراجع عما فعلت أو إعادة عمله مرة أخرى، ولكنها نوع من التوسع؟".
تؤكد أورباخ على الثمار التي تنتظر أولئك الذين يقومون بهذا الجهد - والأهم من ذلك، كما تقول، "هو الوصول الأكبر بكثير إلى المشاعر العادية حول الحياة". أما البديل، بحسب ما شاهدت، هو أن تظل عالقا في حلقة - حيث يلازمك الشعور بالحرمان أو الاحتياج، في الحالات التي نتحدث عنها - وأن "تتبنى وجهة نظر واحدة" على حد تعبيرها، يحددها دافع واحد لأنفسهم وللآخرين.

الأكثر قراءة