المشترون يطرقون أبواب المنازل الفارهة في نيويورك

المشترون يطرقون أبواب المنازل الفارهة في نيويورك
ارتفع الطلب عاليا على المنازل الراقية في نيويورك خاصة في مانهاتن. "نيويورك تايمز"

في فصل الربيع الماضي، أراد السمسار العقاري في نيويورك جيمس كيو وزوجته الانتقال للعيش بالقرب من المحيط. باع الزوجان، اللذان لديهما أربعة أطفال وكلب عمره 13 عاما، منزلهما المكون من أربع غرف نوم، وتبلغ مساحته 2450 قدما مربعة في إيست هامبتون في لونج آيلاند، مقابل 1.6 مليون دولار، واشتريا منزلا مساحته 4500 قدم مربعة في منطقة أماجانسيت المجاورة مقابل 2.2 مليون دولار.
لعقد هذه الصفقة، التي تمت في أيار (مايو) 2021، لجأ كيو إلى العملات المشفرة، التي كان قد بدأ التداول بها قبل 18 شهرا تقريبا من ذلك. بعد دفع ضريبة أرباح رأس المال، استخدم أرباحه من التداول في عملة إيثيريوم لدفع 50 في المائة من الدفعة الأولوية للمنزل الجديد، التي بلغت مئات الآلاف من الدولارات.
يقول كيو، "كي أحصل على الدفعة الأولية في حين كانت جميع أموالي في منزلي الآخر، كنت مضطرا حينها للجوء إلى أماكن أخرى". لهذا السبب لجأ كيو إلى محفظته الرقمية.
كيو ليس وحده الذي فعل ذلك. أبلغت بعض من شركات السمسرة التي تحدثت معها "فاينانشيال تايمز" عن زيادة في عدد المشترين الذين يتطلعون إلى تسييل أرباحهم من العملات المشفرة.
يقول جاريت ديردريان، مدير المعلومات السوقية في شركة السمسرة سيرانت، "لقد شهدنا العام الماضي ظهور مشتري العملات المشفرة فاحشي الثراء". ويستشهد بمبان مثل 432 بارك أفينيو، الواقع فيما يسمى بـ"بليونيرز رو" في مانهاتن، كمثال لأحد المباني ذائعة الصيت بمشتري العملات المشفرة.
من جانبه، يستشهد شون أوشر، الرئيس التنفيذي لشركة كور لسمسرة العقارية، بمبنى روز هيل، وهو تطوير عقاري جديد يقع في حي نو ماد في مانهاتن، بأنه يحظى بشعبية لدى المشترين الذين حققوا أرباحا مالية من استثماراتهم في العملات المشفرة، وأنهم أحيانا اشتروا وحدات سكنية يزيد سعرها على 20 مليون دولار. يقول، "يريد أولئك الأشخاص بيوتا جذابة ذات أسقف عالية، وإطلالات رائعة ويريدون التنعم بوسائل راحة رائعة". أضاف، "كان بعضهم يعيش في شقق من غرفة واحدة" قبل ذلك بعامين أو ثلاثة وهم الآن يبحثون عن شقق ذات "خصائص مبهرة".
"إنهم يريدون مكانا لا يمكن أن يمتلكه أي شخص آخر. يريدون شيئا كبيرا - يريدون شقة في طابق عال"، كما قال السمسار رايان سيرانت، الذي يدعي أن تقريبا عشرة من مستثمري العملات المشفرة من غير المؤهلين للحصول على قروض تقليدية قد اتصلوا به لذلك السبب.
يقول تال ألكساندر، سمسار في شركة دوجلاس إليمان، إنه أيضا اتصل به مشترون يسعون إلى إنفاق أرباحهم من العملات المشفرة على شراء منازل في ميامي. بينما يحول معظم المستثمرين عملتهم المشفرة أولا إلى نقود "وهي معاملة مالية تخضع لضريبة أرباح رأس المال" ليتابعوا بعدها عمليات الشراء المنظمة بالشكل التقليدي، ميامي - التي يلعب فريقها في دوري كرة السلة الأمريكي في ملعب يحمل اسم منصة إف تي إكس لتداول العملات المشفرة - هي موطن للتطويرات العقارية الفارهة التي تقبل البيع بالعملات المشفرة مباشرة. تم بيع الجزء السفلي من شقة في طابق عال في مبنى آرت، وهو مبنى في حي سيرفسايد، مقابل 22.5 مليون دولار في صفقة قبض ثمنها كله بالعملات المشفرة في أيار (مايو) الماضي، يقول مطورون إنهم سيقبلونها أيضا في المشاريع المستقبلية.
مع ذلك، قد يبدأ مالكو العملات المشفرة في التشكيك في جدوى محافظهم الاستثمارية - وإمكانية تحويلها إلى أصول حقيقة، انخفض سعر بيتكوين نحو 30 في المائة في العام الماضي، كما انخفضت إيثيريوم هي الأخرى.
ربما باع كيو منزله في الوقت المناسب.
على الرغم من أن مشتري العملات المشفرة قد لا يزالون قلة من حيث العدد، إلا أنه تطور يثير فضول سوق العقارات الفاخرة في منطقة مدينة نيويورك، التي شهدت ثرواتها تغيرا منذ ظهور الجائحة. قبل عامين، كان القطاع في حالة ركود. ضعف الطلب على الشقق المطورة حديثا، التي في الأغلب ما تبلغ قيمتها عشرات الملايين من الدولارات في السوق، وفي بعض الأحيان لم تباع لعدة أعوام بعد الانتهاء من تشييدها.
لكن في الأشهر الأخيرة، بينما كانت المدينة تتعافى من الضربة التي تلقتها بسبب جائحة كوفيد- 19، ازداد الطلب كثيرا على المنازل الراقية خاصة التي تقع في مانهاتن وبروكلين.
في كانون الثاني (يناير)، تم توقيع 102 من العقود الجديدة لمنازل فاخرة في مانهاتن - من الفئة التي يبلغ سعرها أربعة ملايين دولار أو أكثر - وذلك ضعف العدد المسجل في كانون الثاني (يناير) 2020. وفقا لتقرير صادر عن شركة دوجلاس إليمان، كان المبلغ الذي تم إنفاقه على المنازل الفاخرة في المدينة العام الماضي أعلى إجمالي سنوي لأكثر من عقد - وتقريبا ضعف الإنفاق في 2020.
فوق مستوى العشرة ملايين دولار، بيع من تلك المنازل في العام الماضي أكثر مما بيع في 2019 و2020 مجتمعين، وفقا لبحث أجرته" سيرانت". يقول السمسار تشايس لاندو من شركة سيرانت، "لم أر قط مثل هذا النقص في المخزون عالي الجودة في الأسواق الرئيسة". يقول إن العرض محدود للغاية لدرجة أن عملاءه باتوا يتنازلون عن بعض التسهيلات مثل المساحات الخارجية الخاصة وبوابي المباني.
تعلل نانسي وو، الخبيرة الاقتصادية في بوابة العقارات الإلكترونية ستريت إيزي، انتعاش سوق العقار الفاخر ببساطة "بالتحسن الذي طرأ على الأوضاع المالية للأفراد أثناء الجائحة". أصبح كثير من سكان نيويورك الأثرياء أكثر ثراء في العامين الماضيين، بسبب الزيادة في المدخرات والعوائد من أسهم النمو.
لكن هذه ليست هي الحال بشكل عام، كما تقول وو. "إننا نرى أن الأسعار في أدنى مستوى في السوق في انخفاض"، لأن أصحاب المنازل هم "الأكثر تضررا ماليا بسبب الجائحة". ليس لدى هؤلاء محافظ رقمية تسندهم.
والدا شيفون دنكان، اللذان هاجرا من جرينادا منذ نصف قرن، غرسا فيها أهمية امتلاك منزل، لذا كان حلمها امتلاك شقة منذ أن كانت مراهقة. أرادت أن تقتني منزلا في مبنى يتمتع بوسائل راحة ولكن مع ارتفاع الأسعار، أصبحت تتساءل وتقول، "ما العمل؟".
لكنها تمكنت من العثور على ما كانت تبحث عنه تماما في حي ميل بايسن في بروكلين. اشترت دنكان، التي تعمل في شبكة المستشفيات العامة في المدينة، شقة من غرفة نوم واحدة مزودة بمرآب وممر مخصص للسيارات مقابل 280 ألف دولار في تشرين الثاني (نوفمبر). أصبحت الآن تنظر حولها لترى الشباب الذين يحتاجون إلى أسر ذات دخل مزدوج من أجل تحقيق عيش مريح - لا يمكنهم فعل ذلك بمفردهم. وكانت هي أيضا بحاجة إلى المساعدة.
تقدمت دنكان بطلب للحصول على قسط من برنامج "هوم فيرست داون بايمنت أسيستانس" التابع لإدارة الحفاظ على المساكن والتنمية في مدينة نيويورك، الذي يمنح لغاية 100 ألف دولار أمريكي لتغطية تكاليف الدفعة الأولى أو الأخيرة للمشترين المؤهلين. تقول، "بدون تلك المساعدة، لا أعتقد أنه كان بإمكاني الشراء".
يعاني قطاع الإسكان في مدينة نيويورك أزمة معروفة تتعلق بالقدرة على تحمل التكاليف، لكن الجائحة وضعت مزيدا من العوائق أمام ملكية الأفراد للمنازل. تقول وو، "كان على الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم مغادرة المدينة أو حبس رهن منازلهم". يؤدي مزيد من العرض في هذا المستوى من السوق إلى انخفاض الأسعار عندما لا يكون هناك طلب كبير.
تضررت منطقة كوينز بشكل خاص من هذا الواقع - في الـ12 شهرا حتى كانون الثاني (يناير)، انخفض متوسط سعر الطلب في المنطقة 5.7 في المائة إلى 584 ألف دولار، وهو أدنى مستوى له منذ 2016، وفقا لـ"ستريت إيزي". وبقيت أسعار الطلب في بروكلين ثابتة، بينما ارتفعت في مانهاتن.
منظمة نيبورهود هاوسينج سيرفيس في مدينة نيويورك، منظمة غير ربحية تقدم خدمات الإقراض والتثقيف حول ملكية المنازل للأشخاص ذوي الدخل المنخفض إلى المتوسط، تساعد عادة 100 إلى 150 شخصا سنويا على شراء منزل، كما يقول الرئيس التنفيذي ديريك جريجس. لكن في 2021، انخفض هذا العدد إلى أقل من 25 حيث فقد كثير من العملاء وظائفهم وتعرضوا لضربات ائتمانية خلال الجائحة.
في فترة ما قبل كوفيد، كانت البنوك تقبل نسبة الديون إلى الدخل بنحو 45 في المائة عند النظر في الرهن العقاري، حسبما يقول دان مارتن، الرئيس التنفيذي لمنظمة "إن واي سي هاوسينج بارتنرشيب"، منظمة أخرى غير ربحية. لكن بسبب عدم الرغبة في تحمل مزيد من المخاطر أثناء الجائحة، خفضت البنوك النسبة المقبولة إلى ما يقارب من 40 في المائة، ما أدى إلى استبعاد كثير من المشترين المحتملين.
في كوينز، يشتري المستثمرون المنازل في الأحياء ذات الدخل المنخفض إلى المتوسط، الأمر الذي يؤدي إلى نزوح المجتمعات من خلال الاقتراح على أصحاب المنازل بأن السبيل الوحيد للمضي قدما من الناحية المالية هو بيع منازلهم، كما يقول يوسلين جيناو إستريلا، المدير التنفيذي لـ"نيبورهود هاوسينج سيرفيس" في المنطقة.
أبلغ أصحاب المنازل في حي أستوريا في كوينز أخيرا عن ارتفاع حاد في فواتير الطاقة والخدمات لزهران كاي ممداني، عضو مجلس الولاية، التي "تجبر قاطني حي أستوريا على التساؤل عما إذا كان بإمكانهم تحمل تكاليف البقاء في منازلهم وفي منطقتنا"، حسبما يقول.
ظل سكان نيويورك من الطبقة العاملة يكافحون على مدى عقود ضد القوة السوقية لعمليات تجديد الأحياء القديمة التي كانت السبب في إخراجهم من منازلهم. قد يصبح التمسك بالمنازل أكثر صعوبة مع استمرار هذه الضغوط الاقتصادية المرتبطة بالجائحة.

الأكثر قراءة