التعامل مع المعضلة الأمنية العالمية «2 من 2»

بينما تصورت أوكرانيا أن اندماجها في الاقتصاد أو التحالف العسكري مع الغرب سيعزز اقتصادها وأمنها، ففي الوقت ذاته رأى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في هذه التحركات تهديدا شديدا للمصالح الأمنية الروسية. إذا بدا هذا غريبا، كما تزعم هذه الحجة، فلنتخيل كيف قد تكون ردة فعل الولايات المتحدة لو فكرت المكسيك - على سبيل المثال - في الانضمام إلى تحالف عسكري مع روسيا.
لكن قسم كبير من هذا التفسير الواقعي، وإطار المعضلة الأمنية في عموم الأمر، يتوقف على الكيفية التي تتصور بها الدول أهداف أمنها الوطني، ومدى فاعلية الآليات البديلة في تحقيق هذه الأهداف. فالدولة التي استثمرت كل مواردها في تعظيم قدراتها العسكرية وأهملت بناء اقتصادها وتعزيز قوة مؤسساتها لن تكون آمنة في الأمد البعيد ـ حتى إن بدت كقوة عالمية.
تقدم لنا كوريا الجنوبية مثالا مفيدا في هذا الصدد. في أعقاب الحرب الكورية مباشرة ركزت البلاد على حشدها العسكري ضد كوريا الشمالية. لكن عندما بدأت الولايات المتحدة تقلص مساعداتها العسكرية والاقتصادية في أوائل ستينيات القرن الـ 20، قررت قيادات كوريا الجنوبية تغيير المسار، استنادا إلى حسابات مفادها أن اكتساب القوة الاقتصادية من خلال التصنيع الموجه للتصدير من شأنه أن يزود بلدهم بأفضل حصن ضد الجارة الشمالية المعادية.
على نحو مماثل، ليس واضحا على الإطلاق أن روسيا ستكون أكثر أمانا إذا حققت أهدافها العسكرية المباشرة في أوكرانيا، لكنها خرجت من الصراع وقد أصبحت ضعيفة اقتصاديا ومعزولة عن التكنولوجيا والأسواق الغربية.
والقصص التي تحدث بها القوى العظمى أنفسها حول نياتها وكيف ينظر إليها الآخرون، لا تقل عن ذلك أهمية. ينظر صناع السياسات في الولايات المتحدة وأوروبا إلى أنفسهم على الساحة الدولية على أنهم يمثلون قوى فاعلة حميدة تحركها نيات حسنة. لكنهم عندما يتحدثون عن نظام دولي قائم على القواعد ينسون كيف أقيم ذلك النظام، حيث يناسب مصالح دولهم الخاصة، ويتغاضى عن تجاوزاتها العديدة وانتهاكاتها لهذا النظام. إنهم لا يدركون أو يشعرون بالحيرة إزاء حقيقة مفادها أن الناس العاديين في عديد من الدول غير الغربية ينظرون إلى القوى الغربية باعتبارها انتهازية، ومنافقة، ولا تحفزها سوى مشاعر أنانية بحتة.
الواقع أن هذا الشعور بالاستثنائية يؤدي إلى تفاقم المعضلة الأمنية، لأنه لا يترك أي مجال يذكر لمخاوف القوى الأخرى الأمنية المشروعة عندما تعمل الدول الغربية على توسيع وجودها العسكري وتمارس نفوذها الاقتصادي. ورغم أن لا شيء كان ليشكل وسيلة تحوط ضد روسيا، فإنها تتغذى على الآراء المعادية للغرب بين عديد من الروس. على نحو مماثل تعمل المحاولات التي تبذلها الولايات المتحدة لاستبعاد الشركات الصينية، مثل "هواوي" من الأسواق العالمية، وحرمانها القدرة على الوصول إلى المدخلات الرئيسة لأسباب تتعلق بالأمن الوطني ظاهريا، على تغذية مخاوف الصين من أن أمريكا تريد تقويض اقتصادها.
تتجلى المعضلة الأمنية في أوضح صورها عندما تسعى قوة عظمى إلى بسط هيمنتها وليس التسوية والمواءمة. الحق أن الولايات المتحدة غالبا ما تكون مذنبة بهذا من خلال وضع أهداف سياستها الخارجية في إطار فرض السيادة العالمية. بالمثل، عندما تشكك دول مثل روسيا في شرعية وجود دولة أخرى أو تسعى إلى إعادة تشكيلها على هيئتها يصبح صعبا تخيل مسار حقيقي إلى التسوية.
لكن لا يوجد من الأسباب ما قد يمنع ترويض المعضلة الأمنية. من المشروع أن تكون للقوى العظمى أهداف تتعلق بأمنها الوطني شريطة ألا تكون عدائية صراحة. من المعقول أيضا أن تعبر عن نياتها ومخاوفها بشكل أفضل، ما يقلل بالتالي من سوء الفهم ويحقق درجة من التعاون. الحق أن مجال المناورة المتاح للهروب من عالم الواقعيين القاسي ليس ضئيلا.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2022.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي