القطاع الخاص بممكنات الرؤية

يحظى القطاع الخاص في السعودية باهتمام غير مسبوق منذ إطلاق رؤية المملكة 2030 التي تسعى إلى تمكينه من أجل تعزيز دوره في التنمية والتوظيف وتحقيق التنوع الاقتصادي كأحد أهم مستهدفاتها، حيث تسعى من خلال برامج مختلفة إلى رفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلى إلى 65 في المائة، بعد أن كان 38.7 في المائة في 2016، وهو الأمر الذي يمثل تحديا ويتطلب رفع هذه المساهمة بأكثر من 26 في المائة من الناتج المحلي، فإذا كان الناتج المحلي اليوم يعادل 2.6 تريليون ريال فإن ذلك يعني إسهاما بما يقرب من 1.7 تريليون ريال، هذا إذا افترضنا ثبات حجم الناتج المحلي. لكن الرؤية من خلال برامجها ومستهدفاتها كافة تعمل على رفع حجم الناتج المحلي غير النفطي، وكما قال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إن الناتج المحلي غير النفطي هو المؤشر الرئيس لنجاح خططنا الاقتصادية. لهذا فإن تحقيق الهدفين معا، أي رفع مساهمة القطاع الخاص ورفع حجم الناتج المحلي غير النفطي يتطلب أن يتم تنفيذ معظم البرامج من خلال القطاع الخاص أو بالشراكة معه، خاصة فيما يتعلق بالمشاريع الكبرى أو في التوظيف.
ولذلك فإن المشاريع في معظمها يتم تحقيقها خارج إطار الميزانية العامة للدولة وذلك من خلال ما يقوم به صندوق الاستثمارات العامة عبر استراتيجيته للأعوام الخمسة المقبلة، بحيث يتم ضخ 150 مليار ريال سنويا على الأقل في الاقتصاد المحلي على نحو متزايد حتى 2025، كما يستهدف الصندوق بنهاية 2025 بأن يتجاوز حجـم الأصول أربعة تريليونات ريال، واستحداث 1.8 مليون وظيفة بشكل مباشر وغير مباشر، وتستهدف الاستراتيجية التركيز على 13 قطاعا حيويا واستراتيجيا.
وفي المسار ذاته أطلق ولي العهد خلال الأسبوع الماضي استراتيجية صندوق التنمية الوطني الهادفة إلى ضخ أكثر من 570 مليار ريال لدعم دور الصناديق التنموية في تمويل الأنشطة الاقتصادية والقطاع الخاص.
وإذا كان القطاع الخاص متنوعا، سواء القطاعات الاقتصادية التي يغطيها أو حجم المؤسسات، فقد اهتمت المملكة بكل فئة وتستهدف رفع مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي الإجمالي من 20 في المائة إلى 35 في المائة بحلول 2030، فتم في هذا المسار إنشاء الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة "منشآت" في 2016، لنشر ثقافة وفكر العمل الحر وروح ريادة الأعمال والمبادرة والابتكار، وتقديم أنواع الدعم كافة للمنشآت ومساندتها من خلال تحفيز التمويل والإقراض وإزالة المعوقات الإدارية والتنظيمية والفنية والإجرائية أمام هذه المنشآت، كما تم تطوير برنامج ضمان التمويل "كفالة" لتقديم الضمانات المالية التي تحتاج إليها المؤسسات من أجل تحفيز الجهات الداعمة والبنوك لتمويل ودعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة التي ارتفعت نسبة تمويلها إلى 11 في المائة.
وفي مسار الشركات الكبرى اعتمدت المملكة مفهوم الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص، بـإطلاق برنامج التخصيص الذي يمكن القطاع الخاص من تقديم حلول كثيرة وتنفيذ عديد من الأنشطة الاقتصادية التي كانت الحكومة تتولى القيام بها. من ذلك أيضا برنامج "شريك" الذي يسعى إلى تحقيق هدف خمسة تريليونات ريال من الاستثمارات في القطاع الخاص حتى 2030، بتمكين الشركات الكبرى من زيادة أهدافها الاستثمارية على خططها الحالية بمعدل 50 في المائة، وبما يتوافق مع المستهدفات الاقتصادية الكلية، تماشيا مع إطلاق برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية.
وقد حققت هذه البرامج معا دفعة قوية للصادرات غير النفطية وصلت عتبة قياسية هي الأعلى قيمة في تاريخها للنصف الأول من 2021، بارتفاع يقدر بـ37 في المائة محققة 125.3 مليار ريال. وكانت قد سجلت في النصف الأول من 2020 ما قيمته 91.7 مليار ريال. ولأن القطاع الخاص يحتاج إلى قطاع مالي قوي فقد حظي بعناية خاصة أسهمت في عودة المسار الصاعد إلى السوق المالية، حيث ارتفعت القيمة السوق للشركات إلى 80 في المائة من الناتج المحلي "باستثناء شركة أرامكو" مع تعزيز الاستثمار الأجنبي، حيث ارتفعت ملكية الأجانب في السوق المالية عند منتصف 2021 بنحو 150 في المائة عن 2018، فهذه الأعمال المتزامنة والخطط الاستراتيجية التي تنفذ اليوم بكل دقة ومن جهات متعددة قد ساعدت على وصول مساهمة القطاع الخاص في الناتج خلال 2021 إلى أعلى عتبة على الإطلاق منذ تعديل سنة الأساس إلى 2010، وذلك بعد أن سجل القطاع نموا 6.2 في المائة، هو الأعلى منذ 2013 الذي نما خلاله 7 في المائة، ما يقدم دليلا على الاتجاه القوي والصاعد للقطاع الخاص، وتنامي إسهامه في الاقتصاد الوطني وتنوعه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي