5 حاضنات ومسرعات أعمال لدعم المحاسبين القانونيين الجدد
خطوة كبيرة خطتها الهيئة السعودية للمراجعين والمحاسبين نحو خدمة مجتمع المحاسبين القانونيين، عندما وقعت الهيئة شراكات مع خمس حاضنات ومسرعات أعمال لدعم العمل المحاسبي والمرخصين الجدد وغير المتفرغين، بتمكينهم من التوسع في أعمالهم وتخصيص مكاتب لهم بتكلفة استئجار منخفضة وخصومات في عدد من الخدمات. وفعلا هذه أكبر مشكلة تواجه الشباب الذي يطمح في دخول المهنة وممارسة أعماله من خلال مكتبه، فمعظم هؤلاء الشباب قد يكون موظفا على رأس العمل عندما قام بمحاولاته لاجتياز الاختبار المهني حتى تحقق له الهدف، ثم قرر على عجل الخروج من وظيفته ودخول المهنة بفتح مكتب مستقل باسمه، لكن هذه المكاتب مكلفة جدا، فالمسألة ليست كرسيا ومكتبا ولوحة إعلانية، بل هناك رأسمال عامل ينبغي توفيره لمقابلة المصروفات الجارية التي يعد الإيجار أكبر وأثقل عناصرها، كما أن هناك متطلبات أخرى لا تقل أهمية مثل الأثاث الملائم وقاعة للاجتماعات بالعملاء والاتصالات والموقع الإلكتروني للتعريف بالمكتب والتواصل مع العملاء وهو الأهم، كما لا بد من توفير أجهزة حاسب آلي لكل موظف محملة ببرامج المراجعة ذات الصلة، وهناك أيضا تكلفة رواتب الموظفين الشهرية، كل هذه المصروفات أولية وملزمة بخلاف مصروفات التأسيس التي تشمل الرخص المختلفة بدءا من السجلات التجارية، وتراخيص البلدية، والغرف التجارية وكل ما له علاقة بالمهنة، وفي مقابل كل هذا يجد المحاسب الطموح نفسه أمام تحديات السوق وشروط المهنة بعدم الإعلان التنافسي ليواجه منفردا صعوبة الفوز بثقة العملاء وهو في بدايات الطريق، وهنا وبعد أن يدفع المحاسبون ثروة، وبعد أن يصبح المكتب حقيقة ماثلة، يبدأ الإحباط يتسلل إلى القلوب، ومنهم من تنتهي به الأحلام عند هذه النقطة ويبدأ البحث عن وظيفة أخرى. لهذا كله أشكر الهيئة على هذه الخطوة الكبيرة والمهمة جدا، التي ستسرع بشكل كبير من دخول الشباب للمهنة بدرجة عالية من الأمان والثقة.
ومع أهمية الخطوة في تعزيز ثقة الشباب بأنفسهم، دعمهم في أول أعوام العمل المهني المستقل فإن الأهم هو الاستقلال المهني، سواء الظاهري أو الذهني، سواء كان على مستوى المهنة ككل أو على مستوى المراجع، فالدعم الذي سيجده الشباب الداخل للمهنة من الحاضنات ومسرعات الأعمال، سيسمح للمكتب بأن يقدم خدماته عند مستوى من الاستقلال الكافي عن العميل، فلا يصبح المراجع معتمدا على أحد العملاء أو بعضهم في تغطية المصروفات التشغيلية ما يجعله غير قادر على اتخاذ قرارات قد لا تعجب العميل وبالتالي البحث عن مراجع آخر، فهذا الشعور بذاته يعد إخلالا بالاستقلال الذهني للعميل، أضف إلى ذلك أن الدراسات أثبتت أن المنافسة في سوق المراجعة تجعل المراجعين فيه يقدمون أسعار تنافسية قد تصل أحيانا إلى أقل من التكلفة المتغيرة للعمل، Lowballing هذا موضوع بحثي شائك في مدى تأثير هذا الأسلوب على جودة أعمال المراجعة، لكن الأدلة تؤكد وجود هذه الممارسات خاصة من الشركات الكبيرة التي تأمل في بقاء العميل معها لأطول فترة ممكنه ما يساعدها في تصحيح الفرق في الأعوام التالية ومن خلال الخدمات الأخرى، لكن المشكلة أن مثل هذه الممارسة تجعل مكتب المراجعة في قبضة العميل تماما خاصة في العام الأول حتى لا يخسر العقد والمراهنة على البقاء لأعوام مقبلة، وهذا ما يوثر حتما في الاستقلال، وهذا ما قد يقع فيه الشباب في بدايات الدخول للمهنة خاصة مع تصاعد المنافسة والداخلين الجدد والذين زادت أعدادهم بأكثر من 120 في المائة وفقا لإعلان الهيئة. لهذا فإن الهيئة وهي تعقد هذه الاتفاقيات مع الحاضنات ومسرعات الأعمال تحمي استقلال المراجعين وكذلك استقلال المهنة ككل. ليس هذا فحسب بل إن الهيئة من خلال هذه الحاضنات تحقق مستهدفات كبيرة ضمن رؤية المملكة 2030، من خلال تمكين الشباب في القطاع الخاص، وتسريع ودعم المنشآت الصغيرة، كما أن نجاح هذه المكاتب في العمل والبقاء في سوق تنافسية يمكنها من التوظيف ما يسهم في معالجة البطالة.
ومع كل الشكر للهيئة على هذه الخطوة، لكن التحديات التي تواجه المكاتب الوطنية لم تزل كبيرة، فالمنافسة كبيرة وسيطرة الشركات العالمية لم تزل ملحوظة، ولا تزال المكاتب الوطنية التي ترسخت أقدامها بحاجة إلى مزيد من الدعم لدخول سوق الشركات المساهمة، ولعل الهيئة تدعم المهنين وتسهم في دعم تجربة المكاتب الوطنية بإيجاد آلية لمنح فرصة الدخول واكتساب الخبرة في الشركات المساهمة من خلال دخول أكثر من مكتب وطني معا في عقد واحد وهو ما يسمى المراجعة المشتركة Joint audit، أو من خلال التمكين من مراجعة شركات سوق نمو، ولعل الهيئة تسهم بجهودها المشكورة في ذلك من خلال اتفاقيات مع هيئة السوق المالية بهذا الشأن، كما أن الشباب الداخل حديثا للمهنة لم يزل بحاجة إلى تدريب خاصة في الإجراءات والتوثيق، وأدوات المراجعة الحديثة المستندة إلى المخاطر.