المدير الجديد وخسائر المسار المهني

من الطبيعي أن يتغير مديرك من وقت إلى آخر، مثل أن يتغير بسبب ترقيك وظيفيا، أو ترقيته هو وظيفيا. وفي هاتين الحالتين لا تتغير السمة الإدارية أو أسلوب إدارة العمل الموجودة في محيطك، لأن البديل عادة يكون من الفريق نفسه أو حضوره ليس للقيام بتغيير مستهدف وإنما لسد الفراغ الجديد. ولكن مع تزايد الانتقالات الوظيفية، ومع اضطرار المنشآت لزيادة مرونتها وتحسيناتها، ومع اختلاف أنواع التحديات التي تواجه الأعمال، تكثر عمليات توظيف المديرين التي تستقطب رواد التغيير Change Agents وهؤلاء يكلفون بمهام واضحة هدفها إيجاد ظروف جديدة ونتائج مختلفة. في هذه الحالة، يجب أن يكون لدى الموظف مهارات تكيف خاصة تسمح له بالتعامل مع المدير الجديد بطريقة تحسن من فرصه للاستمرار والتقدم، وهذا ليس بالسهولة التي يعتقدها البعض.
لنتخيل هذا السيناريو، موظف مجتهد يعمل في مستوى إداري ويشرف على عدد قليل من الأشخاص الذين يؤدون دورا مهما داخل أحد المصانع. لنقل إن فريقه يعالج وحدة التصنيع التي يديرها بالطريقة نفسها منذ عشرة أعوام، آخر تحديث جوهري لهم هو تدشينهم لمعدات جديدة قبل بضعة أعوام. لم يتعثر هذا الفريق خلال الأعوام الفائتة، وإلى حد ما نستطيع أن نقول إن إنتاجه نما بشكل معقول وكان ركنا مستقرا من الأركان المهمة بالمصنع. يحصل هذا الموظف "المشرف" على مدير فني جديد، الذي يبدأ شهر العسل بأروع ما يكون، مستمعا، ومؤيدا، ومباركا ما يحصل. ولكن بعد انتهاء الشهر الأول، تبدأ الانتقادات التي تنزل كالسهام المتناثرة. صديقنا الموظف، يفسر كل ردات الفعل التي يراها متعجلة بأن المدير الجديد لا يفهم أعمال المصنع، وربما متحمس بعض الشيء. يصبح الأمر أسوأ بعد الـ 90 يوما الأولى، هناك طلبات جديدة ستذهب بالمصنع إلى دوامة لا يرى أحد قاعها، هذا على الأقل ما يعتقده الموظف المشرف.
تثير هذه التفاصيل كثيرا من المشاعر، ويتعامل معها الناس بطرق مختلفة. أفضل الطرق ما يقرب الجميع من الكسب والاستفادة، وأسوأها ما يقرب الجميع من الخسارة والضرر. في كثير من الأحيان، تختلط هذه المشاعر الطبيعية وتصنع مزيجا من المواقف والتصرفات التي تقلل من حظوظ الجميع. هناك من يشعر بالتهديد ويفتح مسارات المقاومة المختلفة لهذا الدخيل الجديد. وهناك من يحاول تحجيم تفاعلاته. وهناك من يستمر في الاضطراب لفترة طويلة كان من الممكن أن يرفع فيها منحنى التعلم الخاص به ويخرج منها بعديد من المكاسب بدلا من تضييع الفرص.
لا يمكن الافتراض بأن المدير الفني الجديد لا يخطئ، هو في نهاية الأمر بشر يخطئ ويعوزه الفهم الملائم أحيانا وقد يصدر أحكاما غير عادلة، مثله مثل الجميع. ونحن جميعا نتفاوت في حظوظنا مع المديرين الجدد، منا من يحظى بالمدير الرائع الذكي والمتفهم، ومنا من يحشر في خندق مع من هو أدنى من ذلك بكثير. تقبل هذه الشخصيات والتعامل معها بنجاح مبني على فهمها وفهم الدور الذي نقوم به تجاهها، أي كيفية تحويل المواجهة هنا إلى تفاعل إيجابي مبني على النجاح المشترك والقيام بما هو مناسب ويتفق مع ما يمليه الضمير كذلك.
التعامل مع تحديات المديرين الجدد يتطلب قدرا خاصا من المرونة وكما جيدا من مهارات التواصل، وشجاعة القيام بالحضور المستمر والتفاعل النشط. محاولات التأثير هنا ليست مرة أو مرتين، هناك دائما فسحة للتعاون وإيجاد نقاط التقاء ولكن اكتشاف هذه الفرص لا يأتي على طبق من ذهب، وإنما يتطلب جهدا وإصرارا مستمرا. إدارتك لمديرك مهارة مهمة يجب أن يتقنها الجميع، وهي أكثر أهمية في حالات قدوم ضيف جديد مهمته أن يشترك ويدير عمليات التغيير في المصنع.
ما لا يتنبه له البعض، أن تأخر الوصول إلى حالة النجاح المشترك win-win situation مع المدير الجديد هي فعليا فترة ضائعة في مسيرة الشخص المهنية. لأن ما كان ممكنا أن يكون خطوة نحو الأمام وتجربة مختلفة وتعلما جديدا يتحول إلى عك ومقاومة وقد يتحول إلى تجاهل وإحباط وملل. هي في الحقيقة خيارات نختارها، وإبدال القبعات وضع طبيعي تجبرنا عليه الحياة من وقت إلى آخر. من الذكاء "اجتماعيا ومهنيا" أن نعرف متى تقوم بذلك، وكيف نقوم بذلك. كثيرا ما تقوم الدائرة المعتادة من حولنا بتعزيز مواقفنا الخاطئة ـ هم زملاء السوء الذين يصفقون لنا ونحن نغرق في وحل الكبرياء والعناد ـ ما يجعلنا نواجه مطبات كبيرة غير ضرورية في المسار المهني، تتأثر بها السمعة، ونخسر الوقت، ونفقد فرصة التعلم المتسارع، ونبتعد عن النجاح المشترك الذي ينقلنا للمرحلة التالية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي