كيف تعيق اقتصاديات الأدوية تطوير المضادات الحيوية؟
خصص ديك جنكينز ومستثمرون "ملائكيون" آخرون أكثر من 20 مليون جنيه استرليني لتطوير دواء تجريبي لمعالجة العدوى التي تهدد الحياة. لكنهم واجهوا عقبة كبيرة، الحاجة إلى مزيد من المال.
يوضح جينكينز، "لقد تبنينا الدواء قبل عشرة أعوام تقريبا، بهدف تطويره من خلال اختبار المرحلة الأولى في متطوعين أصحاء، ثم بيعه إلى شخص لديه موارد مالية أكبر. مع الأسف، لم تكن هناك سوق لتمريره إليها."
يعتقد باحثون في إم جي بي بيوفارما، الشركة التي ساعد جينكينز على دعمها، أن الدواء، المسمى إم جي بي- بي بي-3، لديه القدرة على علاج بعض أنواع العدوى المقاومة للمضادات الحيوية "إيجابية الجرام". لكن تمويل مزيد من الاختبارات المكثفة على المرضى قبل السعي إلى الحصول على الموافقة التنظيمية لبيع الدواء سيتطلب 50 مليون جنيه استرليني آخر على الأقل.
دواء إم جي بي-بي بي-3 هو واحد من عدة علاجات محتملة لمعالجة النمط المتزايد لمقاومة مضادات الميكروبات، حيث تصبح العدوى مقاومة للأدوية الموجودة. تشير التقديرات الأخيرة إلى أن مثل هذه العدوى تقتل أكثر من 1.3 مليون شخص سنويا حول العالم. تؤكد قصة الدواء الحاجة إلى آليات مالية جديدة لدعم الابتكار في هذا المجال.
من خلال التمويل الجماعي الإضافي وبعض المنح، تمكن الفريق من توسيع الدعم لاختبارات المرحلة الثانية في أعداد صغيرة من المرضى. لكن هناك حاجة إلى مزيد من الأموال لمواصلة العمل ومضاعفة كميات المضادات الحيوية الجديدة القليلة اللازمة لتحل محل تلك التي أصبحت عديمة الفائدة.
يقول جينكينز، "لقد فوجئنا. أدركنا أن لدينا منتجا منقذا للحياة، لكن المشكلة الحقيقية التي اكتشفناها هي أنه لا أحد سيأخذه، لأنه لا توجد سوق اقتصادية في نهاية العملية. لقد مررنا بعالم ناسداك ورأس المال المغامر. الرسالة هي، لا يوجد ما يكفي من المال في بيع المضادات الحيوية لتأييد هذا المستوى من الاستثمار".
إن تجربة جنكينز ليست فريدة من نوعها. ينشط عدد قليل من الشركات الناشئة والشركات الصغيرة العاملة في مجال التكنولوجيا الحيوية في تطوير المضادات الحيوية، وقد ألغت كثير من مجموعات صناعة الأدوية الأكبر حجما وذات الموارد الأفضل مشاريعها لأنها تحولت إلى العلاجات في المجالات الأكثر ربحا، مثل السرطان.
لكن الآن، تخضع مشاريع" إم بي جي بيوفارما" ومطورين آخرين للمراجعة من مبادرة صندوق إيه إم آر أكشن. هذه وسيلة جديدة تعهدت من خلالها شركات الأدوية وداعمون آخرون بتقديم أكثر من مليار دولار لطرح أربعة أدوية جديدة واعدة في السوق. من المتوقع إجراء جولة أولى من الاستثمارات في الأسابيع المقبلة.
لكن هذا الدعم، المعروف باسم "التمويل المحشود"، لن يكون كافيا في حد ذاته. لتحفيز المستثمرين على أن يصبحوا أكثر نشاطا، وإقناع الشركات الكبرى بمضاعفة جهودها، يشير تنفيذيون في الصناعة وصانعو السياسات على حد سواء إلى الحاجة إلى أن تزيد أنظمة الرعاية الصحية المكافآت لتطوير الأدوية الناجحة. ويعرف هذا باسم "التمويل المسحوب".
إنهم يستكشفون آليات جديدة للسماح بإعطاء الأدوية الأكثر ملاءمة للمرضى، وفصل ارتباط المدفوعات لشركات الأدوية عن كمية الأدوية المستخدمة. الهدف هو تجنب الوصفات الطبية غير الملائمة والإفراط في استخدام الأدوية الجديدة، الأمر الذي يغذي مقاومة المضادات الحيوية.
يقول باتريك هولمز، كبير مديري السياسات العلمية في شركة فايزر: "هذا أحد المجالات القليلة التي يوجد فيها اختلاف بين احتياجات الصحة العامة والأعمال. نحن بحاجة إلى الإشراف لتجنب الاستخدام المكثف. إذا لم يكن لديك عوائد من مبيعات الوصفات الطبية، كيف تحفز على إدارة العمل التجاري؟ وكيف تجعل الاستثمار في البحث والتطوير واقعا قابلا للاستمرار؟
تجرب ألمانيا والسويد آليات لزيادة الإقبال على المضادات الحيوية والمدفوعات المخصصة لها، ومن المقرر أن تعلن المملكة المتحدة قريبا نتائج برنامج "اشتراك" تجريبي أولي، حيث سيتم دفع رسوم ثابتة للشركات مقابل المضادات الحيوية الجديدة، بغض النظر عن الأحجام التي يتم وصفها.
لكن المديرين التنفيذيين في الصناعة يحذرون من أن شروط ونطاق كل هذه البرامج لا تزال متواضعة للغاية. يقول أحدهم إن الحد الأقصى الذي يمكن أن تدفعه الحكومة البريطانية، وهو عشرة ملايين جنيه استرليني في العام، "لا يزال غير كبير بما يكفي".
يتطلع آخرون إلى التقدم المحرز في مقترح أكبر بكثير في الولايات المتحدة لتقديم مدفوعات منفصلة عن المبيعات، إضافة إلى مزيد من الإيرادات المضمونة من الآليات الجديدة في الدول الأخرى، ومن بينها اليابان.
يقول إساو تيشيروغي، رئيس شركة شيونوغي اليابانية للأدوية، التي تشارك أيضا بدواء سيفيديروكول في البرنامج التجريبي البريطاني، "لا يوجد نموذج أفضل حتى الآن". يقول إن الحفاظ على مصنعه لتصنيع الدواء سيتطلب إيرادات تبلغ نحو 100 مليون دولار في العام. "سيقدم الاتحاد الأوروبي واليابان والولايات المتحدة لنا المبلغ الأدنى المطلوب."
كما يشير إلى التكاليف الباهظة لتوفير معيار البيانات السريرية التي تطلبها الجهات التنظيمية للموافقة على مضاد حيوي جديد - وهي التكاليف التي يعتقد أنه يمكن تخفيضها بآمان.
بالنسبة إلى تيشيروغي، فإن إحساس شركته بالمسؤولية العامة هو ما يبقيها نشطة في الوقت الحالي، حتى وإن كانت المكافآت المالية متواضعة. "عندما أصبحت رئيس قسم البحث والتطوير قبل 20 عاما، أجريت مناقشة مطولة مع سلفي عما إذا كان ينبغي لنا أن نحذو حذو الشركات الأخرى وأن نتخلص من المضادات الحيوية. وتوصلنا إلى استنتاج مفاده أنه لو خرجنا، فلن تكون هناك أي شركة حاضرة في اليابان تقريبا. طالما أننا قادرون على مواصلة العمل، حتى دون ربح مالي كبير، فلنستمر".
لكن، في المدى الطويل، ستكون هناك حاجة إلى إصلاح شامل للحوافز والتنظيم وتدخلات الصحة العامة لوقف النمو المستمر في مقاومة الأدوية.