انهيار ليمان .. درس لمدى تأثير العقوبات الروسية في العالم
إنها فكرة من شأنها أن تروق لغرور ديك فولد المبالغ فيه - لكنها صحيحة رغم ذلك. لتقييم التأثير المحتمل للعقوبات الدولية المفروضة على روسيا تحت رئاسة فلاديمير بوتين في الاقتصاد العالمي، من الجيد العودة إلى الأزمة المالية في 2008 وانهيار مصرف ليمان براذرز.
أظهرت معاملة "ليمان" وسلوكه، الذي أدراه فولد لمدة 14 عاما، مدى صعوبة توقع عواقب التدخلات المالية ذات الآثار النظامية. حتى لو فرضت لواجب أخلاقي، فيمكن للتداعيات أن تكون أشد خطورة من المتوقع.
في وول ستريت في أوائل شهر أيلول (سبتمبر) من 2008، كان "ليمان" على حافة الانهيار مع تصاعد التوتر وتوقف التمويل بين البنوك. على عكس كثير من البنوك حول العالم التي تم إنقاذها من الحكومات، ترك لـ"ليمان" للفشل - جزئيا على الأقل كعقوبة على أخطائه السابقة التي تمت ملاحظتها.
للتوضيح، لم يسبب انهيار "ليمان" الأزمة المالية، لكنه بالتأكيد أدى إلى تفاقمها. لذلك، فإن التفكير الذي جعل هانك بولسون، وزير الخزانة الأمريكية آنذاك، يدفع المجموعة نحو الإفلاس بدلا من العثور على حل للإنقاذ، كان مهما - حتى أنه غير العالم.
تذكر أن مصرف بير ستيرنز قد تم توجيهه إلى عملية استحواذ للإنقاذ في وقت سابق من العام، وتم إنقاذ البنوك الأخرى في برنامج إغاثة الأصول المتعثرة الضخم في الولايات المتحدة بعد أسابيع فقط. لماذا إذن تمت التضحية بـ"ليمان"؟
ادعى بعض أن العداء الشخصي بين فولد وبولسون ربما أسهم في صنع القرار، الناشئ من التنافس بين "ليمان" و"جولدمان ساكس" الذي كان بولسون رئيسه التنفيذي لسبعة اعوام حتى توليه منصب وزير الخزانة.
لكن كان هناك أيضا دافع تجاري محدد للعداء تجاه "ليمان"، تحمله جميع أنحاء وول ستريت - دافع يعيدنا في دورة كاملة إلى الأزمة الروسية الأخيرة في 1998، وما أعقب ذلك من فشل صندوق التحوط ذي الأهمية النظامية "لونج تيرم كابيتال مانجمينت".
عندما تخلفت موسكو عن سداد ديونها في آب (أغسطس) 1998، خرج اقتراض صندوق لونج تيرم كابيتال مانجمنت البالغ 120 مليار دولار وتريليون دولار من المراكز الاستثمارية عن السيطرة. أجبرت الحكومة وول ستريت على القيام بعملية إنقاذ لمنع حدوث أزمة واسعة النطاق. لكن فولد كان حالة رفض نادرة.
بعد عقد، رفضت الحكومة تقديم المساعدة له. لكن الانتقام الشكسبيري من "ليمان" أدى إلى انهيار غير منظم لإحدى أكثر المؤسسات المالية ترابطا في العالم. وهذا بلا شك أدى إلى تضخيم حدة أزمة 2008 وزاد من حجم التدخلات المطلوبة من الحكومات والبنوك المركزية.
معاقبة بوتين على التدخل العسكري في أوكرانيا من خلال عقوبات صارمة أثرت في الشركات الروسية والأثرياء الروس وصادرات الطاقة. هناك بعض الاعتراف بأنه سيكون هناك رد فعل عكسي على بقية العالم - ارتفاع أسعار البنزين، مثلا، وزيادة التضخم في تكاليف الطاقة المحلية.
لكنني لست متأكدا من أن التأثير المحتمل في العالم خارج روسيا تم الاعتراف به بالكامل. من الواضح، بالطبع، أن ذلك قد يثير مزيدا من التدخل العسكري من جانب بوتين. لكن العواقب المالية والاقتصادية الأخرى تمتد بشكل مؤكد لأبعد بكثير من مضخة البنزين. تهدد الأسعار المتزايدة للقمح والحبوب والنيكل ومجموعة من السلع الأخرى القدرة على تحمل تكاليف كل شيء من القوت اليومي إلى تخفيف آثار الكوارث المناخية.
أيضا يمكنها إخراج مشغلي الأسواق المالية، الكبار والصغار، الرئيسين والهامشيين - انظر إلى تعليق تداول النيكل في بورصة لندن للمعادن المملوكة لهونج كونج، وسط خسائر فادحة تكبدتها شركة تسينغشان هولدنج الصينية. قد تتخلف السندات الروسية عن السداد في الأيام والأسابيع المقبلة. وستتعطل سلاسل التوريد التي تتضمن البضائع الروسية.
قد يكون تحديد كيفية تجلى هذه الأزمة أصعب حتى من انهيار 2008. حينها، تم احتواء معظم المخاطر داخل قطاع مصرفي كان منظما بدقة، من الناحية النظرية على الأقل. تبدو البنوك هذه المرة أكثر قوة، لكن تصاعدت مخاطر أكثر غموضا في أماكن أخرى، ما يعرض الأجزاء الأقل إشرافا من النظام المالي للخطر.
العالم الذي كان غارقا بالأموال المجانية في ظل سياسات البنوك المركزية لكبح التأثير المالي الكامل لـ2008 وأزمة كوفيد يبدو أكثر من مجرد ضعيف بعض الشيء نظرا إلى كيفية تضخم أسعار الأصول وكيفية ارتفاع مستويات الديون إلى مستويات قياسية جديدة. كن متأكدا، لن يكون الروس هم وحدهم من يعانون العقوبات الروسية. ينبغي للعالم أن يتذكر مصرف ليمان ويستعد لصدمة مالية واقتصادية عالمية.