العملات المشفرة جزء من معادلة الحرب الروسية الأوكرانية

العملات المشفرة جزء من معادلة الحرب الروسية الأوكرانية
أوكرانيا لديها أعلى مستوى من استخدام العملات المشفرة للفرد في العالم في 2020 ورابع أعلى مستوى في 2021.

أعلنت الحكومة الأوكرانية عبر وسائل التواصل الاجتماعي الشهر الماضي أنها ستقبل التبرعات العالمية ببيتكوين وإيثيريوم وتيثر لدعم جيشها.
ربما بدا الأمر وكأنه حيلة دعائية. الأمر ليس كذلك. تدفقت تبرعات بالعملة المشفرة تبلغ نحو 106 مليون دولار، إذا جمعت جميع المبادرات على منصات مختلفة، وفقا لبريتاني كايزر، رائدة أعمال في العملات المشفرة "ومبلغة سابقة عن مخالفات شركة كامبريدج أناليتيكا". كايزر هي جزء من شبكة تكنولوجية تساعد ميخايلو فيدوروف، وزير التحول الرقمي في أوكرانيا، على تنظيم ذلك.
للتوضيح، تتجاوز تلك الأموال 90 مليون يورو من المساعدات الإنسانية الأولية لأوكرانيا التي أعلنها الاتحاد الأوروبي "على الرغم من أن بروكسل تزيد من ذلك حاليا" ومن شبه المؤكد أنها ستزداد، لأن شبكة فيدوروف تتسابق للاستفادة من كل نوع من العملات المشفرة.
جافن وود، مثلا، المؤسس المشارك لـ" إيثيريوم"، غرد بأنه "سيسهم شخصيا بمبلغ خمسة ملايين دولار" إذا تم قبول العملة المشفرة التي ابتكرها "بولكادوت"، إلى جانب العملات الأخرى. المبرمجون استجابوا والبنك المركزي يقبل الآن كثيرا من الأصول، بما في ذلك الرموز غير القابلة للاستبدال. تقول كايزر، "الابتكار مذهل. لم نر شيئا كهذا من قبل".
ما الذي يجب أن يفعله العالم المالي الأوسع من هذا؟ قد يستهزئ كثير من ذوي الفكر التقليدي بذلك. قد يجفل بعض المنظمين أيضا، نظرا إلى أن المنظمين الأمريكيين والأوروبيين يتسابقون لمنع الشركات والمواطنين الروس من استخدام العملات المشفرة للتهرب من العقوبات الغربية. لكن سيكون من الحماقة أن يتجاهل أي مستثمر - أو صانع سياسة - مبلغ 106 ملايين دولار. لسبب واحد، أنه يظهر أننا نعيش الآن في عالم تشكله الشبكات، وليس فقط المؤسسات الهرمية.
إنه يمثل أيضا رمزا لنقطة أكبر: يمكن أن تسرع الحرب في أوكرانيا قطاع العملات المشفرة. قال صندوق التحوط بريدجووتر للعملاء هذا الأسبوع، "العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا هي أول حدث رئيس تكون فيه العملات المشفرة جزءا من المعادلة. تحدث هذه الديناميكيات قصيرة المدى إلى جانب التغييرات الهيكلية في أسواق العملات المشفرة التي نعتقد أنها تعزز نفسها بنفسها، حيث يزداد التبني من المؤسسات الاستثمارية الرئيسة ويتعمق النظام البيئي المحيط".
أو كما لاحظت ميشيل ريتر، الرئيسة التنفيذية لشركة التكنولوجيا ستيل برلوت من وادي السيلكون، "جاءت لحظة التحول لوسائل التواصل الاجتماعي في 2011، عندما أشعلت مقاطع الفيديو والتغريدات وغيرها من المنشورات من دول عربية اضطرابات في تلك الدول، اليوم نجد أنفسنا عند نقطة تحول مماثلة مع العملات المشفرة".
هناك عاملان يسهمان في مثل هذه التنبؤات. الأول هو أن العملية العسكرية في أوكرانيا قد حدثت في مكان كان مرتعا لنشاط العملات المشفرة والمواهب التكنولوجية في الأعوام الأخيرة. مثلا، تحسب مجموعة البحث تشيناليسس أن أوكرانيا لديها أعلى مستوى من استخدام العملات المشفرة للفرد في العالم في 2020 ورابع أعلى مستوى في 2021.
هذا مهد الطريق لشبكة بارعة في التكنولوجيا ومستعدة للابتكار. وهذا لا يعني أن العملات المشفرة كانت مفيدة بشكل خاص كأدوات للدفع خلال الحرب حيث جفت القنوات التقليدية، باستثناء تقديم التبرعات. بينما حاولت بعض شركات التكنولوجيا الغربية دفع رواتب موظفيها في أوكرانيا بالعملات المشفرة، أخبرتني أنها كافحت لفعل ذلك.
كما أن التشفير لم يكن مخزنا جيدا للقيمة على المدى القصير، يلاحظ "بريدجووتر" أن أداء سعر بيتكوين في الأسابيع الأخيرة قد أضعف أداء الذهب بشكل ملحوظ، وهو مخزن الثروة التقليدي في زمن الحرب. لكنه يضيف أن "التدفق الروسي والأوكراني المتزايد إلى العملات المشفرة خلال هذه الحرب سلط الضوء على كيف ينظر إلى العملات المشفرة وكيف يتم استخدامها كبدائل للعملات الورقية"، من المرجح أن يتسارع الابتكار.
العامل الثاني هو أن العقوبات الغربية على البنك المركزي الروسي أثارت مخاوف من أن تتجنب الدول غير الغربية الدولار في المستقبل. من غير المحتمل أن يؤدي هذا إلى إسقاط وضع الدولار باعتباره عملة احتياطية رئيسة على المدى القصير إلى المتوسط - أو على الأقل ليس في عالم يتعاون فيه البنك المركزي الأوروبي بشكل وثيق مع الولايات المتحدة، فالعملة الصينية ليست قابلة للتحويل بحرية بعد ويبلغ حجم عالم العملة المشفرة بالكامل تريليوني دولار فقط.
لكن احتدام الجدل يضاعف الضغط على حكومة الولايات المتحدة للرد، ولا سيما بالنظر إلى أن الصين أطلقت أخيرا عملة رقمية خاصة بها. لذلك أخذ الرئيس جو بايدن استراحة الأربعاء من دبلوماسية البيت الأبيض المحمومة بشأن أوكرانيا - والجهود المبذولة للحد من أسعار النفط المتصاعدة - لإعلان إطلاق أول مبادرة سياسية فيدرالية أمريكية للأصول الرقمية. التفاصيل غامضة لكنها تشمل دعم الجهود الناشئة للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لتطوير دولار رقمي.
من المستبعد جدا أن يصبح الدولار الرقمي حقيقة واقعة قريبا، أو أن تتبنى هيئة الأوراق المالية والبورصات فجأة العملات الرقمية المربوطة بأصول أخرى أو صناديق بيتكوين. لكن النقطة الحاسمة التي يجب على المستثمرين فهمها هي أن واشنطن تريد بشكل متزايد أن يحدث الابتكار في هذا المجال داخل خيمتها التنظيمية، وليس خارجها - أو في الخارج.
في حين أن هذا قد يرعب بعض التحرريين، يبدو أن اللاعبين الأكبر في قطاع العملات المشفرة حريصون على الانخراط مع المؤسسة - ويسارعون لتحسين صورتهم لترك انطباع جيد. بهذا المنطق، فإن انطلاق العمل الخيري باستخدام العملات المشفرة من أجل أوكرانيا هو أمر رمزي بكل معنى الكلمة. عدها مثالا آخر على كيف يمكن للحرب أن تنتج آثارا جانبية غير متوقعة، ليس فقط في الجغرافيا السياسية بل في التمويل أيضا.

الأكثر قراءة