تدفق الطاقة وتباين العقوبات الغربية
ذكرت سابقا أنه عند الحديث عن أمن الطاقة العالمي لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاوز روسيا، كونها ثاني منتج للنفط الخام في العالم بنحو 11 مليون برميل يوميا، وبصادرات تبلغ نحو سبعة ملايين برميل يوميا. في قطاع الغاز، لا يمكن تجاهل روسيا كذلك كونها أكبر مصدري الغاز في العالم بما يقارب 238.1 مليار متر مكعب بفارق كبير عن أقرب منافسيها الولايات المتحدة التي تحل في المرتبة الثانية بنحو 137.5 مليار متر مكعب. قبل تسليط الضوء على العقوبات الغربية على روسيا وتباينها والأسباب التي عززت هذا التباين، أجد أنه من الضروري معرفة خريطة الطاقة الغربية والشرايين الروسية التي تغذيها وترسم ملامحها. الولايات المتحدة كانت تستورد من روسيا قبل قرار بايدن حظر استيراد النفط الروسي نحو 700 ألف برميل يوميا، وهذه الكمية لا تشكل إلا نحو 8 في المائة من حجم واردات النفط الأمريكية، وهذه الكمية ليست ذات تأثير كبير في أسواق النفط، ولعلنا تابعنا عند إعلان الرئيس الأمريكي حظر استيراد النفط الروسي أن أسعار النفط لم تتأثر بهذا القرار ولم ترتفع كما توقع البعض. في رأيي، أن أمريكا قادرة على تعويض النفط الروسي باستخدام مخزونها الاستراتيجي من النفط ريثما تجد بديلا آخر، وهذا ما حدث فعلا بالتحرك الأمريكي في الملف الفنزويلي، وإرسال فريق عمل أمريكي لمناقشة رفع العقوبات الاقتصادية عنها. فيما يخص شرايين الطاقة الروسية التي تتدفق إلى أوروبا من النفط والغاز، نجد أن 60 في المائة من صادرات النفط الروسية تتوجه إلى الدول الأوروبية، وتستورد ألمانيا من النفط الروسي نحو 800 ألف برميل يوميا، ما يعادل 30 في المائة من استهلاكها، ويشكل الغاز الروسي 32 في المائة من الاستهلاك الألماني. هولندا تستورد نحو 750 ألف برميل يوميا من النفط الروسي، الذي يشكل ما يقارب 22 في المائة من احتياجها، وبولندا تستهلك نحو 500 ألف برميل يوميا من النفط الروسي الذي يشكل 58 في المائة من احتياجها. الجدير بالذكر أن دولة مثل فنلندا يشكل النفط الروسي أكثر من 80 في المائة من استهلاكها، وهذه نسبة كبيرة توضح مدى الاعتماد شبه المطلق لفنلندا على شرايين الطاقة الروسية رغم أن الكمية ليست كبيرة، حيث تقارب 250 ألف برميل يوميا. من الدول الأقل اعتمادا على روافد الطاقة الروسية هي بريطانيا التي تستورد نحو 170 ألف برميل يوميا من النفط الروسي، لا تمثل إلا 11 في المائة من احتياجها فقط! الغاز الروسي بالغ الأهمية لأوروبا، حيث إن إمدادات الغاز الروسية عبر خط أنابيب "نورد ستريم 1" وخط أنابيب "يامال" تشكل 40 في المائة من استهلاك أوروبا للغاز. في إيطاليا وهولندا يشكل الغاز الروسي نحو 12 في المائة من استهلاكهما، بينما لا يشكل الغاز الروسي إلا نحو 5 في المائة فقط من حاجتها. ما سبق من أرقام يوضح تباين تدفق الطاقة الروسية من النفط والغاز إلى أمريكا ودول أوروبا الذي أدى في اعتقادي إلى تباين حدة نبرة العقوبات من هذه الدول تجاه روسيا، فلعله من الواضح أن الولايات المتحدة وبريطانيا دائما تتجهان نحو تصعيد العقوبات على روسيا وتشديدها والتوسع فيها، بينما الدول الأكثر اعتمادا على شرايين الطاقة الروسية تحاول مسك العصا من المنتصف وعدم الانجراف إلى عقوبات ستكون لها ردود فعل روسية ستؤثر بقسوة في هذه الدول واقتصاداتها.