رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


لا بدائل سهلة وسريعة

يبدو أن الأوروبيين كانوا يحتاجون إلى أزمة كبرى مثل تلك التي اندلعت بين أوكرانيا وروسيا، ليعيدوا النظر في طبيعة إمداداتهم من الطاقة، بعد أن ركنوا إلى وصول الطاقة الروسية إليهم من غاز ونفط، مستفيدين بالطبع من المزايا اللوجستية التي توفرها الجغرافيا، فضلا عن انفراج طويل في العلاقات بينهم وبين موسكو حتى 2014 عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم إليها. لكن حتى بعد تلك الأزمة التي تبعتها سلسلة من العقوبات، ظلت أوروبا تعتمد بصورة أساسية على الطاقة الروسية، ولا سيما ألمانيا التي صارت معروفة على الجانب الغربي بأنها الدولة الأكثر مرونة في مواقفها مع الرئيس فلاديمير بوتين، حتى أنها كررت إلقاء اللوم العلني على الولايات المتحدة في عقوباتها على موسكو، وتحديدا عندما وصل الديمقراطيون إلى البيت الأبيض.
حتى الآن لم يوقف بوتين صادرات بلاده من الطاقة لأوروبا، حتى الجانب الغربي أبعد عقوباته عن ميدان الطاقة الروسية، وإن أقدم الرئيس الأمريكي جو بايدن بعد ثلاثة أسابيع من بدء الأزمة بين كييف وموسكو على منع استيراد النفط والغاز الروسي، علما بأن هذه الواردات لا تساوي شيئا مقارنة بالواردات الأمريكية من مصادر مختلفة. بينما يحصل الاتحاد الأوروبي على نحو 40 في المائة من احتياجاته من الغاز الطبيعي، و30 في المائة من النفط من البر الروسي. في حين لا يزال البديل السريع غائبا، ما يرفع دائما القلق في الأوساط الأوروبية خصوصا. فارتفاع أسعار الطاقة من نفط وغاز، أضاف مزيدا من المشكلات الاقتصادية التي "ينتجها" التضخم المرتفع في القارة الأوروبية. وأتت الأزمة الروسية - الأوكرانية في وقت تسعى فيه حكومات أوروبا إلى كبح جماح التضخم حتى إن أثر ذلك سلبا في التعافي الاقتصادي.
في أيدي الجانب الروسي سلاح حقيقي بالفعل على صعيد الطاقة. فإذا أقدم بوتين على قطع إمدادات الطاقة في مرحلة ما من هذه الحرب، فقد يصل سعر برميل النفط إلى 300 دولار، في حين تأرجح في الأيام الماضية ضمن حدود 120 دولارا. الخيارات محدودة أمام الأوروبيين في مجال تعويض الطاقة التي قد تفقد تماما بقرار من الجانب الروسي. فالغاز يعد مصدرا رئيسا في القارة الأوروبية ليس فقط للاستهلاك المنزلي، بل لتوليد الطاقة الكهربائية. ورغم أن أغلبية الحكومات في القارة منعت استخدام الفحم الحراري أو الحجري منذ أعوام، فليس أمامها "ولو في فترة انتقالية" سوى اللجوء إلى هذا المصدر لتوليد الكهرباء بدلا من الغاز. ويجب ألا ننسى أن استخدام الفحم صار وفق قوانين المناخ والبيئة الصارمة أقرب إلى "الجريمة"، لكن سيتم العثور على التبريرات اللازمة في هذا المجال.
ولأن هذا الخيار يتصدر المشهد العام، كان طبيعيا أن ترتفع أسعار الفحم الحراري بصورة كبيرة في الأيام الماضية، بحيث بلغ 446 دولارا للطن المتري الواحد. وتظهر هنا مشكلة، أن روسيا تعد من الدول الرئيسة في تصدير الفحم الحجري لأوروبا، لكن في النهاية يمكن للأوروبيين أن يصلوا بسهولة ووفرة إلى الفحم في أراضيهم، دون أن ننسى أن هناك بنية تحتية لا تزال قوية، وإن كانت متوقفة، في هذه القارة، بصرف النظر عن النوعية. فوفق الخبراء، فإن الفحم الروسي أعلى جودة وجدوى من مثيله في بقية أنحاء أوروبا. ربما كان لأوروبا القدرة على الوصول إلى البدائل، بصرف النظر عن طبيعتها، إلا أنها ستواجه أزمة كبيرة، لأن ذلك سيتطلب وقتا طويلا، وهي لا تستطيع حاليا أن تتحمل أي هزة في إمدادات الطاقة الروسية.
المسألة صعبة للغاية، وسيحاول الأوروبيون - الذين أعلن بعضهم التخلي نهائيا عن الطاقة الروسية بحلول العام المقبل - إبقاء الحال على ما هو عليه إلى حين تستكمل الأدوات الخاصة ببدائل الطاقة، ليس فقط من ناحية نوع هذه الطاقة "غاز، نفط، فحم حجري"، بل من جهة مصادرها أولا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي