عملات رقمية بمعايير حقيقية

المشهد العام للعملات الرقمية مرتبك منذ أن انتشرت الأموال الإلكترونية على الساحة العالمية، لكن هذه العملات أخذت في تسجيل حضورها الكبير والمتعاظم مع الوقت، في حين تخطط مجموعة من البنوك المركزية حول العالم لإطلاق عملاتها الرقمية أو المشفرة، مع ارتفاع الأصوات الداعية إلى ضرورة فرض رقابة صارمة على ما هو موجود على الساحة حاليا من عملات، لكون غياب هذه الرقابة سيزيد من حالة الارتباك المشار إليها.
الولايات المتحدة أعلنت أنها ستطلق الدولار الرقمي، في خطوة ستغير من حالة سوق هذه العملات بالفعل، ولا سيما بدخول عملة بوزن وحجم الدولار، في ظل وجود عملات يزيد عددها على ثمانية آلاف، بعضها هامشي وبعضها أساسي، بينما يرتفع عدد منصات التداول لها بصورة مستمرة.
ولا شك في أن وجود الدولار الرقمي، سيدفع البنوك المركزية حول العالم إلى اعتماده على الفور، لأسباب تتعلق في الدرجة الأولى بالضمانات التي توفرها عملة بهذا الحجم، بما في ذلك ارتفاعها، أو هبوطها المتوازن الذي سيخضع لمعايير السوق الحقيقية، فالعملات الرقمية المنتشرة أنتجت مخاطر على المستثمرين فيها من هذه الزاوية.
كما أن الدولار الرقمي يمكن ببساطة أن يتحول بسرعة فائقة إلى عملة ارتباط مشفرة، على غرار الدولار الورقي، إلى جانب أنه سيواجه العملات الموجودة حاليا، وسيؤثر لاحقا في أي عملات قد تصدرها مصارف كبرى، فالبنك المركزي الأوروبي يخطط منذ أعوام لخوض هذه التجربة، وتعتقد رئيسته كريستين لاجارد بحتمية العملات الرقمية في المستقبل.
بالطبع الدولار الرقمي لن يظهر على الساحة غدا، فهو لا يزال في طور البحث والتطوير، الأمر الذي سيشجع دولا أخرى على الإقدام على الخطوة نفسها في وقت قريب، بما في ذلك دول عربية. ففي الصيف الماضي حتى قبل التوجهات الأمريكية بهذا الخصوص تم الاتفاق المبدئي بين السعودية والإمارات على العمل من أجل وضع عملة رقمية موحدة بينهما، ولا شك في أن مثل هذه الخطوة ستكون رائدة ليس فقط في المنطقة العربية، بل على الساحة الدولية أيضا، نظرا لما يتمتع به الاقتصادان السعودي والإماراتي من قوة كبيرة وسمعة عالية، ومكانة محورية عالميا.
التخطيط لإطلاق الدولار الرقمي، سبقته مخططات أخرى على الساحة الدولية، فهناك أكثر من 100 دولة على الأقل تعتزم خوض غمار هذه السوق، التي صارت جزءا أساسيا من الحراك الاقتصادي العالمي.
وفي الأعوام القليلة الماضية، ارتفع حجم الاستثمار في العملات الرقمية، على الرغم من المخاطر التي تحيق بها، كما زادت معدلات الإنفاق عبرها، وسجلت حضورها بشكل أكبر خلال الفترة التي اضطرب فيها الاقتصاد العالمي جراء تفشي وباء كورونا.
لكن الأمر صار ضرورة للاقتصاد العالمي ككل، ومن هنا قد تتضرر العملات المشفرة الموجودة حاليا من دخول عملات تدعمها بنوك مركزية كبرى، فالمستثمرون سيفضلون تلقائيا الاستثمار في عملات أقل مخاطر، وأكثر وضوحا، وأشد قوة، وهذا يصعب توافره في العملات الحالية، التي تتأرجح أحيانا بين أعلى المستويات وأقلها، بسرعة شديدة ومخيفة. الدولار الرقمي، سيسرع بالطبع من خطوات بنوك مركزية في الدول المتقدمة وغيرها لتقديم عملاتها المشفرة، في حين يتم النظر باهتمام شديد إلى آثار دخول "يورو رقمي" إلى الميدان في مرحلة لاحقة، مع التأكيد أن الحكومات لن تترك العملات المشفرة التي تعد بالآلاف دون ضوابط صارمة إلى الأبد، ما يضع حراكها في المستقبل في الميزان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي