رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


هل تنشب أزمة سيولة؟

أسرعت البنوك العالمية التي تعمل في روسيا إلى مراجعة المخاطر التي تحيق بها، نتيجة العقوبات الهائلة التي فرضت على موسكو، في أعقاب دخول القوات الروسية أوكرانيا، وبدء عملية واسعة في هذه الدولة الحدودية. فالعقوبات التي تتعرض لها البلاد هي الأقوى على الإطلاق، وتشمل أغلبية القطاعات، وكان القطاع المالي على رأس الجهات المستهدفة، وذلك لقدرة الدول التي توافقت على فرض العقوبات على تحقيق نتائج سريعة. فهي تسيطر بصورة أو بأخرى على النظام المالي العالمي عبر سلسلة من الأدوات، يضاف إلى ذلك أن الدول الغربية التي صارت ممثلة في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، تحتضن هي نفسها ودائع هائلة لشخصيات روسية منذ تسعينيات القرن الماضي، يقول الغرب دائما "إنها على ارتباط بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين".
العقوبات التي تضمنت إزالة بعض البنوك الروسية من نظام "سويفت" للمدفوعات المالية، وحتى "باي بال"، شملت بالدرجة الأولى تقييد البنك المركزي من استخدام احتياطياته التي تبلغ نحو 630 مليار دولار، ما عمق المخاوف في أوساط البنوك الأجنبية، التي يبلغ إجمالي أصولها وفق آخر الإحصائيات 121 مليار دولار موزعة، وهي تشمل مصارف إيطالية وأمريكية وفرنسية ونمساوية بالدرجة الأولى. فعلى سبيل المثال يعد مصرف "سيتي بنك" الأمريكي، و"سوسيتيه جنرال" الفرنسي، و"رايفازن" النمساوي، و"الأونكيرديت" الإيطالي الأكثر انكشافا في الوقت الراهن. فالمصرف الأمريكي أعلن أخيرا أن انكشافه على روسيا يصل إلى أربعة مليارات دولار. في حين بدأت مصارف عدة بحث إمكانية التخارج من السوق المالية الروسية في مرحلة لاحقة، لتضييق دائرة الخسائر التي يمكن أن تتعرض لها.
واللافت أن المصارف الأمريكية والأوروبية المنكشفة على روسيا، عمقت عملياتها المالية بما في ذلك إقراض مصارف روسية حتى بعد أزمة 2014 التي انفجرت في أعقاب ضم موسكو شبه جزيرة القرم إلى البر الروسي. والبعض الآخر احتفظ بأصوله منذ ذلك التاريخ. والذي يعطي مؤشرات أكثر قتامة، التصنيفات المنخفضة المتكررة لوكالات التصنيف العالمية المعروفة للاقتصاد الروسي. فقد أعلنت وكالة "ستاندرد آند بورز" أخيرا خفض التصنيف إلى CCC، بسبب مخاطر التخلف عن سداد الديون، وسط الضغوط الاقتصادية المتصاعدة على البلاد جراء العقوبات. وهذه الأخيرة تخضع حاليا للتجديد، أي أن الغرب ترك الباب مفتوحا لمزيد منها. وحتى في هذه المرحلة، يتفق مديرو المصارف سواء العاملة في روسيا أو خارجها على أن تخلف روسيا عن التزاماتها المالية، صار واردا اليوم أكثر من أي وقت مضى، وأن المخاطر التي تحيق بالمصارف الأجنبية بلغت أعلى مستوى.
هذا المشهد المصرفي المتوقع، يطرح عدة أسئلة حول إذا ما كانت هناك إمكانية لنشوب أزمة سيولة على غرار ما حدث في الأزمة العالمية التي حدثت في 2008. أي عندما تتوقف المصارف عن إقراض بعضها بعضا. لكن ليس واضحا بعد حجم انكشاف القطاع المالي العالمي على البنوك الروسية، باستثناء المصارف الأمريكية والأوروبية التي أعلنت بالفعل حجم أصول ومستوى انكشافها. لكن في النهاية تبقى البنوك الأوروبية الأكثر تعرضا للخطر على الساحة الروسية، في حين لا يوجد حضور قوي للمصارف الأمريكية في هذه الساحة منذ تفجر أزمة جزيرة القرم. وفي كل الأحوال، حتى المصارف الأوروبية خفضت في أعقاب الأزمة المشار إليها وجودها في روسيا، لكن ليس بالمستوى الذي تم على صعيد البنوك الأمريكية.
الضغوط التي تتعرض لها المصارف الروسية والأجنبية العاملة في روسيا، ليست حكرا عليها، بل آثار العقوبات والمخاوف من العجز عن سداد الديون، ستهز النظام المالي العالمي، نظرا إلى التشابك في التعاملات المالية والتجارية الدولية. فالجميع منكشف، لكن بدرجات متفاوتة، بعضها كبير خطير، وبعضها الآخر قليل خفيف.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي