لماذا تعد الحرب على أوكرانيا نقطة تحول للأسواق أيضا؟
الغزو الروسي لأوكرانيا يعد نقطة تحول بالنسبة إلى السياسة الأوروبية، حينما تم إدراك هذا على نطاق واسع في غضون أيام قليلة. الأمر الذي لا يتم إدراكه على نطاق واسع هو أننا أيضا عند نقطة تحول للأسواق.
أوروبا في المراحل الأولى من صدمة عكسية كبيرة لاقتصادها، والتي ستقلب النقاش حول السياسة النقدية رأسا على عقب. أتذكر قبل أسبوع، عندما كان لا يزال هناك قلق جماعي بشأن التضخم المرتفع. أصبحت هذه أخبارا قديمة الآن. الأمر المثير للاهتمام - والفرصة - هو أن الأسواق لم تدرك ذلك أو تسعره بعد.
خذ قضية التضخم المرتفع. في تحليل حديث أجراه معهد التمويل الدولي، حذرنا من اتساع نطاق ارتفاع التضخم في أوروبا، الذي أوصل إليه التضخم الحقيقي الملموس في ألمانيا. لكن ألمانيا الآن أيضا على الخط الأمامي في مواجهة روسيا وأحد أكثر الاقتصادات تعرضا لما سيتحول بالتأكيد إلى ركود عميق في الشرق. وهذا يغير من النقاش بشأن التضخم.
تشعر البنوك المركزية بالقلق بشأن صدمات العرض التي ستسببها "تأثيرات الجولة الثانية"، وتحصل عندما يشجع الاقتصاد القوي المنتجين على تمرير زيادة تكلفة الطاقة وغيرها من التكاليف للمستهلكين.
يحدث ذلك عندما يكون هناك طلب قوي، وهو ما يمنح الشركات قوة التسعير. لم يعد أي من هذا ينطبق بعد الآن. تصاعدت حالة عدم اليقين بشكل كبير، ما سيقلل من ثقة المستهلك. عدم اليقين هذا لا يتعلق فقط بالمخاطر الجيوسياسية الواضحة. بل هو أعمق من ذلك بكثير.
قامت دول مثل ألمانيا وإيطاليا ببناء أجزاء كبيرة من اقتصاداتها حول الطاقة الرخيصة من روسيا. يجب أن يتغير ذلك الآن، ما يعني انخفاض النمو، وزيادة العجز المالي وزيادة الديون.
علاقة الديون بالنسبة إلى أوروبا هي أمر مربك. كانت هناك أصوات كثيرة في الأيام الأخيرة تنتقد ألمانيا بسبب مستوياتها المنخفضة من الدين الحكومي، حيث تعامل كثيرون مع الغزو الروسي لأوكرانيا على أنه لحظة "حذرتك من حصول هذا". لكن هذا أمر مضلل.
إذا علمتنا الأعوام القليلة الماضية أي شيء، فهو أن الصدمات السلبية الكبيرة يمكن أن تأتي من العدم – أخيرا كوفيد- 19، ثم متغيرات كوفيد والآن الغزو الروسي لأوكرانيا. إن لم يكن هذا إقرارا بضرورة الاستعداد المستقبلي لحالات الطوارئ المحتملة، فما هو إذن؟
هذه الحجة في منطقة اليورو لها طابع الضرورة الملحة بوجه خاص، لأن الأسواق كانت بالفعل مترددة في شراء سندات كوفيد التي تم إصدارها في الفترة التي سبقت كل هذا. بالنسبة إلى بلد محيطي باقتصاد هامشي مثل إيطاليا، تم تمويل صافي إصدار الديون الجديدة إلى حد كبير - بشكل غير مباشر - من خلال برنامج التسهيل الكمي للبنك المركزي الأوروبي لشراء الأصول لدعم الأسواق.
مع هذه الصدمة الأخيرة، فإن إحجام الأسواق الحالي عن تمويل الدول السيادية المثقلة بالديون - مع وجود احتياجات أكبر للإنفاق المالي في الأفق - سيزداد حدة.
إذا كنا على حق، فإن حقيقة أن التضخم لم يعد مصدرا مثيرا للقلق تجعل الأمور سهلة. الآن هو الوقت الخطأ بالنسبة إلى البنك المركزي الأوروبي للقلق بشأن سياسة التطبيع.
من غير المرجح أن تتوسع تحولات الأسعار النسبية في سلة التضخم في منطقة اليورو إلى تضخم عام، ما يعني أن الظرف يسمح باستمرار السياسة النقدية المتساهلة - والأهم من ذلك - التيسير الكمي الذي توجد حاجة ماسة إليه من منظور مالي.
لذلك سيكون هناك انفصال أساسي في السياسة النقدية، حيث يسعى الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى التطبيع، بينما يواصل البنك المركزي الأوروبي عملية التيسير - نظرا لأن الصدمة الأكبر بكثير التي تمثلها حرب روسيا هي لأوروبا.
إن الأسواق بعيدة كل البعد عن إدراك هذا الأمر أو تسعيره. إنهم يقومون بتسعير احتمالية تطبيع السياسة النقدية وزيادة أسعار الفائدة في منطقة اليورو على قدم المساواة مع الولايات المتحدة. لقد بدأ التموضع المضارب في أسواق الصرف الأجنبي في بناء مركز "طويل" ذي مغزى على اليورو مقابل الدولار في الأسبوع الماضي.
باختصار، إن فك ارتباط منطقة اليورو عن الولايات المتحدة - من حيث النمو والسياسة - لم يتم دمجه في الأسواق عن بعد.
رأينا كل هذا من قبل. لنتذكر 2014، الذي كان أيضا نقطة تحول للأسواق. حيث ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في بداية ذلك العام. ثم انهارت أسعار النفط، حيث اجتاح النفط الصخري الأمريكي العالم.
وسط كل هذا، كانت الأسواق بطيئة في تسعير التحول الهائل في السياسة الذي كان يتجلى في البنك المركزي الأوروبي، الذي سيؤدي في النهاية إلى التيسير الكمي في 2015.
هذا بسبب وجود إشارات مختلطة حقيقية. إذ اعتقدت الأسواق أن التيسير الكمي لن يكون ممكنا على الإطلاق بالنظر إلى الأهمية التقليدية لصقور التضخم في منطقة اليورو. إنه الأمر نفسه الآن. التضخم المرتفع هو الإشارة المتضاربة التي تعيق الأسواق الآن. لكن هذه أخبار قديمة تبين العالم كما عرفناه قبل أسبوع. التباين الكبير وضعف اليورو مقابل الدولار على الأبواب.
*كبير الخبراء الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي.