ارتفاع أسعار الطاقة أدى إلى تصعيد المخاوف من «الركود التضخمي»

ارتفاع أسعار الطاقة أدى إلى تصعيد المخاوف من «الركود التضخمي»

حققت السندات الحكومية ارتفاعا قويا الثلاثاء إذ يراهن المستثمرون على أن التداعيات الاقتصادية لغزو روسيا أوكرانيا ستدفع البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة بشكل أبطأ مما كان متوقعا في السابق.
أكبر التحركات حصل في أوروبا، إذ انخفض عائد السندات الألمانية لأجل عشرة أعوام إلى ما دون الصفر لأول مرة في شهر حيث تفاعلت الأسواق مع سلسلة من التعليقات من كبار صانعي السياسة في البنك المركزي الأوروبي الذين يجادلون ضد أي تحول جذري في السياسة النقدية حتى يصبح تأثير الأزمة الأوكرانية في اقتصاد منطقة اليورو أكثر وضوحا.
تظهر المشتقات المرتبطة بأسعار الفائدة قصيرة الأجل أن المستثمرين يتوقعون الآن أن يرفع البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة بأقل من 0.2 نقطة مئوية من المستوى القياسي الحالي المنخفض البالغ 0.5 في المائة بحلول نهاية العام. قبل أسبوعين كانت عائدات الأسواق تساوي الصفر هذا العام. كما انخفضت عائدات المملكة المتحدة حيث تراجع المستثمرون عن رهاناتهم على ارتفاع أسعار الفائدة في المملكة المتحدة. انخفض العائد على سندات الخزانة لأجل عشرة أعوام 0.28 نقطة مئوية إلى 1.13 في المائة، وهو أكبر انخفاض في يوم واحد منذ اليوم الذي تلا استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في حزيران (يونيو) 2016.
انجرفت سندات الخزانات الأمريكية أيضا في موجة الارتفاع، إذ انخفض عائد السندات لأجل عشرة أعوام بمقدار 0.12 نقطة مئوية إلى 1.72 في المائة، وهو أدنى مستوى منذ أواخر كانون الثاني (يناير).
لا يزال المستثمرون يتوقعون أن يواصل الاحتياطي الفيدرالي المضي قدما في وقت لاحق من هذا الشهر بإجراء أول زيادة بربع نقطة في سعر الفائدة منذ 2018، لكن التوقعات بشأن مدى حدة تشديد للسياسة النقدية بعد ذلك قد خفت.
يضع المتداولون في اعتبارهم رفع أسعار الفائدة خمس زيادات تقريبا هذا العام، وهذا انخفاض عن ست زيادات الجمعة. الرهانات على أن الاحتياطي الفيدرالي قد يفكر بتعديل مزدوج قدره نصف نقطة، قلت تدريجيا قبل الغزو عقب المعارضة الضمنية من اثنين من كبار المسؤولين، وأصبحت الآن مستبعدة بالكامل.
قال أنطوان بوفيت، محلل أسعار الفائدة في بنك آي إن جي، "هناك عملية إعادة تسعير حمائمية كبيرة تجري الآن. إذ تعتقد السوق أن الآثار المترتبة من الأزمة الأوكرانية هي أن البنك المركزي الأوروبي والبنوك المركزية الأخرى ستتحرك بشكل أبطأ".
ارتفعت أسعار الطاقة منذ بدء الغزو الروسي الأسبوع الماضي، ما زاد من المشكلات التي تواجه محافظي البنوك المركزية الذين يحاولون السيطرة على أعلى معدل تضخم منذ عقود في كثير من الاقتصادات العالمية. يترك ذلك الاحتياطي الفيدرالي في صراع مع الآثار التضخمية للحرب واحتمال حدوث تباطؤ اقتصادي.
قال ريك ريدر، كبير مسؤولي الاستثمار في الدخل الثابت العالمي في شركة بلاك روك، "هذا أيضا له تأثير كبير في النمو العالمي وفي الولايات المتحدة. من الواضح أن هذا سيبقي التضخم عاليا لفترة أطول. لكن كثيرا من هذه الديناميكيات ليست تحت سيطرة الاحتياطي الفيدرالي".
أضاف، "سيتعين على الاحتياطي الفيدرالي التحرك لكن النمو سيعتدل لدرجة أنه مع دخول النصف الثاني من العام لست واثقا من أن الاحتياطي الفيدرالي سيكون في عجلة من أمره". قال ريدر إن احتمالية تحرك الاحتياطي الفيدرالي بشكل أبطأ جعلت العوائد على ديون الحكومة الأمريكية قصيرة الأجل جذابة.
ردد لوك إيليس، الرئيس التنفيذي لشركة مان جروب، إحدى أكبر مديري صناديق التحوط في العالم، هذا الرأي، وقال لـ"فاينانشال تايمز" الثلاثاء، إن الوضع في أوكرانيا "يؤجل" توقعات البنك المركزي برفع سعر الفائدة.
قبل اجتماع السياسة النقدية الأسبوع المقبل، قال مسؤولو البنك المركزي الأوروبي إن الأزمة في أوكرانيا من المرجح أن ترفع التضخم في منطقة اليورو من مستوياته القياسية بالفعل عبر تفاقم الضغوط في أسواق الطاقة ويمكن أن تخفض النمو عن طريق تعطيل التجارة وهز ثقة الشركات والأسر.
قال فابيو بانيتا، عضو المجلس التنفيذي في البنك المركزي الأوروبي، في خطاب ألقاه الإثنين، "سيكون من غير الحكمة الالتزام مسبقا بخطوات سياسية مستقبلية حتى تصبح تداعيات الأزمة الحالية أكثر وضوحا". أضاف، "ينبغي أن نهدف إلى مرافقة الانتعاش بلمسة خفيفة، واتخاذ خطوات معتدلة وحذرة بينما تتضح تداعيات الأزمة الحالية".
إن هذا يشكل تحولا في لهجة البنك المركزي الأوروبي. أشار كثير من مسؤوليه قبل غزو روسيا أوكرانيا إلى أنهم يتوقعون منه "تطبيع" السياسة النقدية عبر إنهاء مشتريات الأصول في وقت أبكر مما هو مخطط له قبل رفع سعر الفائدة في وقت لاحق من هذا العام.
من المقرر أن يجتمع مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي الأسبوع المقبل، إذ سينشر توقعات اقتصادية جديدة من المتوقع أن تشير إلى استقرار التضخم بالقرب من هدفه البالغ 2 في المائة خلال العامين المقبلين - وهو شرط رئيس لبدء رفع أسعار الفائدة.
قال رئيسا البنكين المركزيين اليوناني والبرتغالي الإثنين، إن الحرب في أوكرانيا زادت من فرص تعرض اقتصاد منطقة اليورو لفترة من الركود التضخمي - وهو مزيج سام من ركود النمو وصدمات الإمداد التضخمية.
قال ماريو سينتينو من البرتغال، عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، محذرا، "أنا مقتنع بأن قوة دفع النمو التي كان الاقتصاد يتبعها ستتوضح، إن السيناريو المحتمل للركود التضخمي ليس مستبعدا من بين الاحتمالات التي يمكن أن نواجهها".
قال يانيس ستورناراس، رئيس البنك المركزي اليوناني، "سنراجع الأدلة بعناية، لأننا لا نريد تكرار أخطاء الماضي المتمثلة في تشديد السياسة النقدية في وقت مبكر جدا، ولا سيما في مواجهة صدمة الإمداد المهمة مثل التي سببتها الأزمة الأوكرانية".

الأكثر قراءة