كيف يمكن لعقوبات البنك المركزي أن تقيد روسيا؟

كيف يمكن لعقوبات البنك المركزي أن تقيد روسيا؟
روسيون يصطفون أمام مصرف في روسيا لسحب أموالهم. "أسوشيتد برس"

كشفت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون الستار عن أكثر العقوبات صرامة حتى الآن ضد روسيا، وهي الأحدث في سلسلة من العقوبات، التي تم فرضها ردا على غزوها الشامل لأوكرانيا.
هذه التدابير، التي تم الإعلان عنها السبت، تستهدف البنك المركزي الروسي بشكل مباشر وتسعى إلى عرقلة ارتباط الدولة بالنظام المالي العالمي. كما تهدف إلى زعزعة استقرار الاقتصاد الروسي، بناء على العقوبات التي فرضت في الأيام الأخيرة، التي تستهدف أعضاء حكومة الأقلية وكذلك المصارف، وشركات التكنولوجيا الفائقة وصناع الطائرات.
قال دانييل تانيبوم، مسؤول سابق عن العقوبات في وزارة الخزانة الأمريكية، الذي يشغل الآن منصب شريك في شركة أوليفر وايمان الاستشارية: "أصبح من الواضح أكثر أن روسيا تسير في الاتجاه نفسه، الذي سارت إليه كوبا وإيران من حيث أهمية العقوبات المفروضة".
أضاف مسؤول رفيع في الإدارة الأمريكية أن الإجراءات الجديدة تصل إلى حد "طرد روسيا من النظام المالي الدولي" وتجعلها "منبوذة اقتصاديا وماليا في جميع أنحاء العالم".
إليك الطريقة التي ستعمل بها القيود الجديدة بشكل عملي:
ما الذي تم الإعلان عنه؟
يوم السبت، قالت كل من الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وكندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا والمفوضية الأوروبية إنها ستمنع البنك المركزي الروسي من استخدام مخزونه البالغ 630 مليار دولار من احتياطي النقد الأجنبي، وذلك من شأنه أن يضر بقدرة البنك على دعم الاقتصاد ومنع الدولة من توفير التكاليف المرتبطة بالهجمات التي تشنها على أوكرانيا.
تم الإعلان عن هذه العقوبات إلى جانب خطط لإبعاد بعض المصارف الروسية من نظام سويفت للمراسلات المالية، الذي يستخدم للإبلاغ عن تفاصيل تتعلق بتريليونات الدولارات من المدفوعات اليومية بين المصارف.
الهدف الأساسي هو إعاقة قدرة روسيا على التحايل على العقوبات الموسعة، التي تم فرضها حتى الآن على الدولة.
دانيال جلاسر، الذي شغل منصب مساعد وزير المالية لشؤون تمويل الإرهاب والجرائم المالية في وزارة الخزانة الأمريكية من 2011 إلى 2017 وهو الآن في شركة كيه2 إنتيجريتي الاستشارية في المخاطر، قال: "إنها محاولة مباشرة لضرب قدرة روسيا على تجاوز العقوبات، لأن الطريقة، التي ستتجاوز بها العقوبات هي بالاعتماد على احتياطياتها".
أضاف: "كلما قلت سيطرتها على احتياطياتها أو قل ما يمكنها فعله بها، أصبحت أكثر ضعفا أمام الجولة الثانية من الضغوطات".
لكن لم تحدد الولايات المتحدة وحلفاؤها بعد كيف سيعمل هذا النظام الجديد ضد البنك المركزي الروسي. قال جلاسر إن الطريقة الأمريكية الأكثر "مباشرة" تتمثل في إضافة البنك المركزي الروسي إلى قائمة وزارة الخزانة "للمواطنين المعينين بشكل خاص" - حيث يتم من خلالها حظر أصول الأفراد والشركات ويمنع الأفراد والمصارف التجارية الأمريكية من التعامل معهم.
ما مدى الضرر الذي يمكن أن تلحقه هذه القيود بروسيا؟
احتياطيات النقد الأجنبي لروسيا تعد ركيزة أساسية لقوتها الاقتصادية، حيث يحاول الحلفاء الغربيون تقويض قدرتها على الاستفادة من هذا المخزون. في حين خفضت روسيا احتياطياتها من الدولار بقوة، إلا أن جزءا كبيرا من مخزونها من العملات الأجنبية موجود في الخارج في الولايات المتحدة، وألمانيا، وفرنسا، والمملكة المتحدة، والنمسا، واليابان.
إذا لم تكن قادرة على بيع أجزاء كبيرة من أصولها الأجنبية مقابل العملة المحلية، فستتعثر روسيا في قدرتها على حماية الروبل. قالت إلينا ريباكوفا، نائبة كبير الخبراء الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي، إن معاقبة البنك المركزي قد تؤدي في النهاية إلى التهافت على المصارف لسحب الودائع منها. فيما بدأ الروس بالفعل بالتدفق إلى المصارف لسحب أموالهم وسط مخاوف من توقف النظام المالي في البلاد عن العمل.
قال مسؤول أمريكي كبير: "لدي ثقة كبيرة بأن آثار هذه الإجراءات ستظهر على الفور في الأسواق المالية الروسية". أضاف: "يدرك المشاركون في السوق أنه إذا لم يكن لدى روسيا القدرة على حماية عملتها، فستدخل في حالة من السقوط الحر".
لكن فائض الحساب الجاري سيوفر لها بعض الحماية، وهو رقم قياسي بلغ 19 مليار دولار، والذي تم تجميعه على خلفية صادراتها الكبيرة من الطاقة. تواصل روسيا كسب مبالغ كبيرة من العملات الأجنبية من خلال مبيعات النفط والغاز، التي من شأنها أن تدعم الاقتصاد وتساعد على دفع ثمن الواردات. قال البنك المركزي الروسي إنه يدعم المقرضين المحليين من خلال منحهم سيولة بالروبل.
كيف يتوقع أن يرد البنك المركزي الروسي؟
في ظل عدم قدرته على الوصول إلى الاحتياطيات للحماية من انهيار الروبل، سيترك البنك المركزي أمام خيارين واضحين فقط: إما رفع أسعار الفائدة، أو فرض ضوابط على رأس المال.
قد يطلب البنك المركزي الروسي مساعدة الصين، حيث يوجد هناك أكثر من 14 في المائة من احتياطياته من العملات الأجنبية - وهي أكبر حصة أجنبية منفردة. مع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كانت الصين سترغب في تقديم هذه المساعدة أم لا. في حين أن التسرع من أجل مساعدة روسيا من شأنه أن يقوض هيمنة الولايات المتحدة على التمويل العالمي، فقد تخشى المصارف الصينية عقوبات ثانوية من شأنها قطع وصولها إلى الدولار واليورو.
يستطيع البنك المركزي أيضا محاولة بيع جزء من الـ 2299 طنا من الذهب التي يملكها، وهو خامس أكبر مخزون في العالم، إلى حكومات أكثر صداقة معها. يتم الاحتفاظ بهذا الذهب في مواقع مختلفة في الاتحاد الروسي، وفقا للبنك المركزي.
لكن سيرجي جورييف، خبير اقتصادي في جامعة ساينس بو في باريس، قال إن بيع هذه الاحتياطيات سيكون صعبا أيضا.
قال: "كل من يقول إنه من السهل بيع الذهب أو اليوان فهو بالتأكيد يمزح - فالمصارف الحكومية الصينية بدأت تمنع بالفعل تمويل مبيعات النفط الروسية. الصين خائفة من العقوبات الثانوية وهي محقة في ذلك. هذا حقا يغير قواعد اللعبة".
ما مدى انكشاف المستثمرين الأجانب؟
انكشاف المؤسسات المالية الغربية المباشر لروسيا بسيط إلى حد ما، يرجع ذلك جزئيا إلى العقوبات، التي فرضت عليها إثر ضمها لشبه جزيرة القرم 2014، فضلا عن ظهور اقتصادات أكثر ودية مع المستثمرين في آسيا.
في نهاية 2021، امتلك المستثمرون الأجانب ما قيمته 20 مليار دولار من ديون روسيا بالدولار وسندات مقومة بالروبل بقيمة 37 مليار دولار، وفقا لبيانات البنك المركزي الروسي.
بينما تشكل السندات الروسية نحو 6 في المائة من مؤشر جيه بي مورجان للسندات الحكومية بالعملة المحلية في الأسواق الناشئة الذي يتم تتبعه على نطاق واسع، ونحو 3 في المائة من إصدارات العملة الأجنبية. تمثل روسيا 3.4 في المائة فقط من مؤشر إم إس سي آي لأسهم الأسواق الناشئة، الذي يتم تتبعه على نطاق واسع، أي أقل من جنوب إفريقيا.
يمكن لهذه الإجراءات أن تترك الأوراق المالية الروسية المدرجة في الأسواق الخارجية معزولة، نظرا لأن المصارف أصبحت مترددة في السماح بالتداول المرحلي، بينما يزداد قلق المستثمرين من زيادة انكشافهم.
سيكون التأثير المحلي شديدا، وفقا لبيتر ويليامز، المحلل في إيفركور آي إس آي. قال: "من المرجح أن تواجه المصارف والأسواق المالية في روسيا ضغوطا كبيرة عندما تفتح أبوابها، بالنظر إلى ذكريات التسعينيات من القرن الماضي".
فيما يتعلق بانكشاف المصارف لروسيا، تشير تقديرات بنك التسويات الدولية إلى أن مطالبات المصارف الأجنبية من المصارف الروسية تبلغ 29.3 مليار دولار فقط، ويبلغ إجمالي المطالبات من الكيانات الروسية نحو 89 مليار دولار، كما يشير "جيه بي مورجان".
مع ذلك، فإن أوروبا على وجه الخصوص معرضة بشدة لقطاع الطاقة الهائل في روسيا. قال بنك الولايات المتحدة في تقرير نهاية هذا الأسبوع: "تمثل روسيا أكثر من 10 في المائة من إنتاج النفط والغاز الطبيعي العالمي وتلعب دورا مهما في أسواق الغاز الطبيعي الأوروبية".
ماذا عن إقصاء البنوك الروسية من نظام سويفت؟
يهدف الاقتراح الداعي إلى فصل عدد من المصارف الروسية عن شبكة سويفت إلى ضمان "فصل هؤلاء المقرضين عن النظام المالي الدولي"، وفقا للحلفاء.
قد يأتي هذا بالإضافة إلى العقوبات الفردية الحالية الموجهة بشكل أكبر إلى المصارف الروسية. تأتي هذه الخطوة بعد مناشدات أطلقها فولوديمير زيلينسكي، الرئيس الأوكراني، بقطع المصارف عن الشبكة، ما يزيد من صعوبة قيام الروس بمعاملات مالية عابرة للحدود.
مرة أخرى، لم يتم التوصل إلى اتفاق على التفاصيل، لكن مسؤولين يقولون إنهم لا يريدون تقويض قدرة الاقتصادات الغربية على شراء الوقود الأحفوري الروسي، ما يعني أنه ستكون هناك استثناءات كبيرة من الحظر المفروض من استخدام نظام سويفت. إحدى الطرق لتحقيق ذلك تتمثل في السماح للمصارف الروسية، التي تركز على الطاقة بالبقاء ضمن شبكة سويفت.
هل فعلت الولايات المتحدة مثل هذا الأمر في السابق؟
الجواب: نعم، قامت الولايات المتحدة بتجميد أصول البنوك المركزية للأنظمة المعادية - بما في ذلك فنزويلا، وإيران وأخيرا أفغانستان. كما أخرج دونالد ترمب المصارف الإيرانية من شبكة سويفت في 2018.
يمكن للعقوبات الإيرانية أن تقدم مخططا توضيحيا للحظر الذي سيفرض على البنك المركزي الروسي. العقوبات، التي فرضتها إدارة ترمب في 2019 بعد تخفيف الإجراءات السابقة، التي فرضها باراك أوباما في 2012، جمدت أصول البنك المركزي المودعة في حسابات آمنة في الولايات المتحدة.
إضافة إلى ذلك، منعت العقوبات المفروضة على إيران المؤسسات المالية من إجراء معاملات نيابة عن البنك المركزي أو تقديم خدمات أخرى إليه.
قال إدوارد فيشمان من مركز الأبحاث الأمنية الأمريكية الجديدة قبل الإعلان عن التحركات الأخيرة: "أعتقد أننا نتحرك بخطى ثابتة نحو عقوبات على غرار العقوبات الإيرانية، التي تضمنت هذا الإجراء ضد بنكهم المركزي".
*كولبي سميث، وكلير جونز، وسام فليمينج، وديمتري سيفاستوبولو، وماكس سيدون، وتومي ستابينجتون، وروبين ويجيلزورث

الأكثر قراءة