رعاية صحية بأنموذج جديد
يأتي إنشاء برنامج تحول القطاع الصحي كأحد البرامج المستحدثة لرؤية المملكة العربية السعودية 2030، وذلك لضمان استمرار تطوير خدمات الرعاية الصحية النوعية وتركيز الجهود في هذا القطاع المهم، بعد أن حقق البرنامج إنجازات ومستهدفات استراتيجية، عملت على التطوير لمواجهة التحديات المتعلقة بالخدمات الصحية، من خلال التوسع فيها، مع رفع جودتها، وكفاءتها، وتحسين مستويات الوقاية ضد المخاطر الصحية.
وظهرت نتائج جهود تطوير القطاع الصحي، الذي كان يعد أحد الأبعاد الاستراتيجية، من خلال التصدي لجائحة فيروس كورونا الخطيرة، التي انتشرت في جميع الدول.
وكان لبرامج تحقيق الرؤية دور مهم ومحوري في مواجهة آثار الجائحة صحيا، واقتصاديا، واجتماعيا، وتجاوز الأزمة بكل تحدياتها.
وعمل القطاع الصحي خلال المرحلة السابقة على تحسين جودة وكفاءة الخدمات الصحية، ونشرها من خلال المستشفيات المتخصصة، والمراكز الحية، وتسهيل الحصول عليها من خلال الاهتمام برقمنة القطاع الصحي، وإطلاق حزمة من التطبيقات، وزيادة تغطية الخدمات لجميع المناطق.
وفي ظل تطور الأنظمة الصحية العالمية، عمل برنامج التحول الصحي على تمكين التحول الشامل في القطاع، وإعادة هيكلته ليكون نظاما صحيا شاملا، وفاعلا، ومتكاملا، يقوم على صحة الفرد، والمجتمع، ويعتمد على مبدأ الرعاية القائمة على القيمة التي تضمن الشفافية، والاستدامة المالية، من خلال تعزيز الصحة العامة، والوقاية من الأمراض، وتطبيق النموذج الجديد للرعاية المتعلقة بالوقاية من الأمراض، فضلا عن تحسين الوصول إلى الخدمات الصحية من خلال التغطية المثلى، وتوسيع تقديم خدمات الصحة الإلكترونية، والحلول الرقمية، مع تحسين جودة الخدمات.
ومن هنا يأتي تدشين مستشفى صحة الافتراضي، ضمن الإطار العام لرؤية المملكة 2030. فالتحولات التي قدمتها هذه "الرؤية" شملت جميع القطاعات التنموية، والاقتصادية، التي تنعكس مباشرة على الحياة العامة.
القطاع الصحي في السعودية ينال كغيره من القطاعات حصته من التطوير الحتمي، إلى جانب ما يحتاج إليه من مبادرات، وابتكارات، وأفكار تسهم في تعزيز دوره عموما، ولا سيما في ظل التحولات التقنية المستمرة على الساحة العالمية، وهذه التحولات أسهمت خلال العقود الماضية في رفد كل القطاعات، بما فيها الصحة، بمزيد من الأدوات والبدائل. فالطب الافتراضي، صار ركنا أساسيا ومهما من الحراك الطبي حول العالم، وتتسع دائرته يوما بعد يوم.
الخدمات التخصصية تصل من خلال هذه الذراع الطبية في الوقت المناسب، وضمن نطاق واسع، وهو ما يعزز قوة ومتانة الخدمات الصحية عموما في جميع مناطق السعودية.
المستشفى الذي تم تدشينه أخيرا، يسخر أحدث التقنيات في مجال الرعاية الطبية الافتراضية، والتقنيات الحديثة تختصر الزمن في مجال يشكل فيه الوقت عاملا محوريا، ولا سيما على صعيد التشخيص، أو العلاج أو حتى إجراء عمليات عن بعد، فضلا عن العلاقات الطبية وتبادل الخبرات على مستوى العالم، وإنشاء الشراكات الدولية في هذا المجال.
مسار السعودية في هذا الميدان لا يستهدف فقط توفير الخدمات الطبية الافتراضية عالية الجودة للمواطنين على أرضها، بل يشمل أيضا مخططاتها للوصول إلى الريادة، فالطب الافتراضي تتسع رقعته بصورة متوازية مع الابتكارات والتطورات التي تدخل في مجال الاتصالات، والأدوات الطبية المستخدمة عن بعد، وهذا ما يفسر أن المستشفى الجديد في البلاد يستوعب نحو 500 ألف مستفيد في العام الواحد، كما أنه يقدم 34 تخصصا دقيقا، وفرعيا، ويسهل على المواطنين التواصل مع المختصين المعنيين بعلاجهم، فضلا عن أنه يسمح بنقل الخبرات والاستشارات بين الأطباء والمختصين أنفسهم بما يخدم الحالات التي يعالجونها، وهذه النقطة مهمة للغاية، لأنها توسع دائرة الأطباء المختصين في علاج أو تشخيص أو متابعة المريض.
الطب الافتراضي لا يوفر العلاج فقط أو حتى عمليات جراحية تتم عن بعد فحسب، بل يعرض بيانات المريض على دائرة واسعة من الخبراء والاستشاريين، بمن فيهم أولئك الذين يعملون في الخارج، وأيضا يحسن من متابعة المرضى بشكل دقيق، من خلال البيانات المتوافرة في ملفاتهم الطبية، كما أن هذا النوع من التطبيب يسهل من عمليات إدارة الأزمات إذا ما حصلت بالفعل، عبر استخدام نظم المعلومات لقياس المؤشرات، واتخاذ القرارات المناسبة بعد ذلك.
المستشفى الافتراضي الذي تم افتتاحه يعد الأول من نوعه في الشرق الأوسط، أو الذي يقدم هذا النوع من الخدمات الطبية، كما أنه سيشكل منطلقا لمد جسور التعاون والتواصل على مستوى عالمي، يليق بالتحولات التي تجري في السعودية في جميع القطاعات.
هذا الصرح الطبي الكبير يدفع مجددا المسار الطبي في السعودية بسرعة إلى الأمام، ويعزز من دورها الريادي على الصعيدين الإقليمي والعالمي، ويشكل خطوة أخرى تسهم في ترسيخ الاقتصاد الوطني المستدام بكل أدواته، وخدماته، وابتكاراته.