بنية سعودية رقمية .. ابتكارات تنافسية
أظهرت جائحة فيروس كورونا أهمية وجود بنية تحتية قوية ومهيأة من شبكة الاتصالات، فالدول التي لديها مثل هذه البنى استطاعت تخطي الأزمة الصحية بسرعة، والعودة إلى النمو الاقتصادي حتى مع فرض القيود وتطبيق سياسة الإغلاقات والاحترازات.
فالعمل عن بعد مكن الدول من استكمال منظومة الحياة مع تباعد اجتماعي كاف، والمملكة كانت واحدة من تلك الدول القليلة في العالم التي فرضت أعلى معايير صحية وتباعدا اجتماعيا في ظل استمرار العمل والعودة إلى النمو الاقتصادي. ومع الإشادة الكبيرة بكل الجهات التي عملت في منظومة واحدة في مواجهة تلك الأزمة، فإن الحديث اليوم عن بنية الحوكمة الرقمية التي أثنى عليها عديد من المنظمات والوكالات المتخصصة في هذا المجال، وتعد ثمرة توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، والدعم والتمكين من قبل ولي عهده الأمير محمد بن سلمان، لقطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، سواء على مستوى البنية التحتية للاتصالات، أو تنمية القدرات الرقمية، والمشاريع الرقمية والتقنية المنتشرة والمتنوعة، ونضج التنظيمات والتشريعات الرقمية، وفقا لرؤية المملكة 2030، التي نجحت حتى الآن في وجود وتأسيس أحدث أنظمة الاتصالات السلكية واللاسلكية وتقنية المعلومات والاتصالات، وشبكة من الألياف الضوئية لأكثر من 3.5 مليون منزل في جميع أنحاء السعودية مع تصاعد سرعة الإنترنت من 9 ميجابت/ الثانية في 2017 إلى 109 ميجابت/ الثانية في 2020، مع تطبيقات حكومية للخدمات وتحسين تجربة المستفيد. وتجدر الإشارة هنا إلى حديث وزير الاستثمار الخاص بالميزانية السعودية 2022، الذي أكد أن المملكة في 2021 ركزت على النمو والتحول باعتماد التقنية خلال الجائحة مع المحافظة على أكثر من مليون وظيفة، وأكثر من 100 مليار ريال، وأن قطاع الاتصالات حقق خلال الأعوام الأربعة الماضية نموا تراكميا 6 في المائة، فيما حقق القطاع التقني 11 في المائة.
وفي هذا المسار، وتعزيزا لكل النجاحات السابقة، تبنت المملكة استراتيجية الحكومة الذكية "2020 - 2024" لتسريع وتيرة العمل نحو تحقيق هدف أن تكون الحكومة بحلول 2024 مرنة وابتكارية. ومن المستهدفات لهذا القطاع إيجاد أكثر من 25 ألف وظيفة جديدة في هذا القطاع، وزيادة حجم سوق تقنية المعلومات والتقنيات الناشئة 50 في المائة، ونمو مساهمة قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات في الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 13 مليار دولار على مدى خمسة أعوام، وزيادة مشاركة المرأة في القطاع 50 في المائة.
واستمرارا لدعم مسيرة التطور الرقمي والتقني، تم تأسيس هيئة الحكومة الرقمية، التي تمثل نقلة نحو تعزيز الأداء التقني، وجودة الخدمات المقدمة وتحسين تجربة العملاء مع الجهات الحكومية، وتم وضع المعايير والمؤشرات التي تساعد على حوكمة الأعمال وقياس الأداء، وتنمية وتطوير المواهب الوطنية بما يعود بالنفع على الوطن والمواطن.
وحقق العمل عبر الحوكمة الرقمية تمكين المملكة من تجاوز آثار فيروس كورونا، كما أن ثمار هذه التحولات الاستراتيجية بدأت تظهر من خلال عدد من المؤشرات العالمية التي صنفت السعودية في المرتبة الأولى، متصدرة دول مجموعة العشرين، في محور النظام البيئي الرقمي ضمن تقرير التنافسية الرقمية 2021 الصادر عن المركز الأوروبي للتنافسية الرقمية. وجاءت الثانية عالميا بين دول مجموعة العشرين بعد أن تقدمت 20 درجة في المؤشر العام مقارنة بالعام الماضي، والمركز الثالث في محور القدرات الرقمية بين دول مجموعة العشرين.
وفي مؤشر نضج الخدمات الحكومية الإلكترونية والنقالة الصادر من لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا "الإسكوا" التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، حققت السعودية المركز الأول في مجال توافر الخدمات الرقمية وتطورها، حيث يهدف هذا المؤشر إلى قياس مدى نوعية وتميز الخدمات الحكومية المقدمة عبر البوابة وعبر التطبيقات النقالة في الدول العربية، وذلك بعد أن تم مسح أكثر من 84 خدمة حكومية ضرورية لكل دولة وللأفراد وللأعمال.
وهذا النجاح يأتي تتويجا للتكامل والعمل المشترك بين الجهات الحكومية لتحقيق التحول الرقمي كأحد مستهدفات الرؤية من خلال تقديم خدمات حكومية متقدمة عبر البوابات الرقمية والحلول الذكية. وبدأ العمل بهذا المؤشر منذ 2019، وتزايد الاهتمام به بعد الدور الحاسم الذي قامت به الحكومة الرقمية والتعليم الرقمي في تجاوز الأزمة الصحية العالمية، فالمؤشر يركز على الخدمات الحكومية الإلكترونية وتطورها ودورها في تحسين جودة الحياة وتحقيق الاستدامة ودعم ريادة الأعمال.
وفي التقرير الصادر عن المركز عن 2021، حصلت السعودية على المراكز المتقدمة في مؤشرات المركز كافة، ومن بينها توافر الخدمة وتطورها، حيث حصلت في هذه الركيزة على المرتبة الأولى متقدمة 16.7 في المائة عن 2020. وفي شأن استخدام الخدمة والرضا عنها، احتلت المملكة المرتبة الثانية مع تقدمها 29.5 في المائة، وفي مجال الوصول إلى الجمهور حققت المرتبة الثانية بزيادة عن تقرير 2020، 17.6 في المائة.