الأسواق تمتص صدمة أوكرانيا وتستعيد هدوءها
في مؤتمر صحافي عقد بعد ظهر الأربعاء الماضي في لندن لمناقشة التوقعات في الأسواق الناشئة، بدأ التنفيذيون في "أشمور" - شركة استثمارية متخصصة في الدول النامية - بتناول "المشكلة الجلية التي تحاشاها الجميع"، روسيا.
كانت البلاد قد اعترفت لتوها باستقلال منطقتين في شرق أوكرانيا، وكانت الولايات المتحدة تحذر من استيلاء وشيك على الأراضي على نطاق أوسع.
أشارت "أشمور" إلى أن الوضع غير مستقر. وطالبت باتباع نهج "شديد الحذر" من مديري الصناديق. لكن الرأي الأساس كان أن الرئيس الروسي لن يرسل قوات إلى كييف. لن يكون هناك غزو كامل وبدلا من ذلك، "هناك احتمال كبير عما قريب أننا لن نتحدث عن هذا الموضوع". بعد ساعات قليلة، غزت روسيا جارتها على جبهات متعددة.
بطبيعة الحال، بهرجة الأرقام والأسواق والأموال هي في الغالب مصدر قلق ثانوي لجميع أصحاب العقول السليمة بينما تتكشف الأزمة الإنسانية والجيوسياسية التي تلت ذلك. لكن أولئك الذين يتلقون رواتبهم لرعاية معاشاتنا التقاعدية ومدخراتنا لكسب الرزق ملزمون بمعرفة ما يعنيه كل ذلك.
على الفور، كان ذلك يعني حدوث انهيار تاريخي في أسواق الأسهم الروسية، وتوتر كبير في أسعار الأصول عبر العالم، والاحتمال المتزايد أنه، من خلال هيمنتها على سلع متعددة، حملة الاستحواذ السيادية العدائية التي شنتها روسيا ستؤدي إلى تعقيد النظرة الاقتصادية العالمية الصعبة أصلا عن طريق زيادة التضخم.
حقيقة أن الأسهم الروسية انخفضت 50 في المائة تقريبا في بداية التداول الخميس - وهي واحدة من أكبر الانخفاضات في سوق للأوراق المالية على الإطلاق - تعطي إشارة قوية على أن عددا من المستثمرين المتخصصين فشلوا في توقع حدوث ذلك. قبل ساعات فقط من بدء الغزو الروسي الكامل، كان محللون في البنوك وشركات الاستثمار منشغلين بإصدار مذكرات بحثية تستند جميعها إلى "السيناريو الأساس نفسه".
قال أحد المستثمرين في الأسواق الناشئة، "اعتقد معظم الناس أننا سنتجنب ذلك. لقد فعلنا ذلك، واحتفظنا بهذا الرأي حتى النهاية."
كان بعض مديري الصناديق قد قلصوا مراكزهم المالية في روسيا، في حال أدى حشد القوات إلى تراجع أسعار الأصول. لكن حتى المستثمرون المتشائمون تجاه روسيا والمشككون في دوافعها بشكل عام صدموا لأن الرئيس فلاديمير بوتين تجاوز التوقعات بشأن ضراوة حملته.
إذن ماذا سيحدث الآن؟ الأسواق الروسية استقرت. من المرجح أن ينهي مؤشر مويكس الأسبوع بانخفاض معتدل نسبيا قدره 27 في المائة - وهو انخفاض حاد لكنه لا يزال انتعاشا من أدنى نقطة في الأسبوع. من الصعب جدا رؤية كيف يمكن لهذه السوق أن تتعافى تماما من هنا، أو كيف يمكن للسوق الأوكرانية أن تتعافى أيضا. التخلف عن سداد الديون أو إعادة هيكلتها بالنسبة إلى أوكرانيا أمر لا مفر منه.
من المحتمل أن يلقي هذا بظلاله على أصول الأسواق الناشئة ككل. قالت شركة إدارة الصناديق للأسواق الناشئة، "لنفترض أننا نتحدث إلى عميل كان يفكر في تخصيص بعض أصوله للأسهم الروسية (...) هذا لن يحدث. ليس فقط بالنسبة إلى روسيا، ولكن إذا كان يبحث في أي تخصيص للأسواق الناشئة، فإنه سيريد الانسحاب أو الانتظار قبل الدخول."
لكن في كثير من الأسواق الرئيسة، عدنا بالفعل كالسابق. في الولايات المتحدة، انخفض مؤشر الأسهم ستاندرد آند بورز 500 الخميس، لكنه أنهى اليوم باللون الأخضر. وكذلك مؤشر ناسداك المركب. في أوروبا - التي من الواضح أنها المنطقة الأكثر انكشافا على هذه الحرب التي تدور على أعتابها - كانت الأسهم في طريقها لتعويض الخسائر بحلول نهاية الأسبوع.
كتب فريق الاستثمار في شركة أموندي، "السوق لا تفهم تماما حتى الآن تأثير هذه الصدمة الجيوسياسية. هذا ليس الوقت المناسب لمحاولة شراء الأصول التي تراجع سعرها". لكن هذا أفضل ما يفعله المستثمرون، وفي الوقت الحالي، يبدو أن مديري الصناديق يعتقدون أنه لا يوجد سبب كاف للاعتقاد بأن هذه الحرب ستخرج الاقتصاد العالمي عن مساره، خاصة أن العقوبات حتى الآن لم تؤثر بشدة في تجارة السلع في روسيا.
يعتقد استراتيجيو أسعار الفائدة في" رابوبانك" أنه يمكنك النظر إلى هذه الأزمة بطريقتين - إما كدعم إضافي للتضخم القوي بالفعل أو كصدمة محتملة للنمو. كتب ريتشارد ماجواير ولين جراهام تيلور من المصرف، "بالنسبة إلى مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي، لا يوجد حتى الآن دليل يشير إلى أن المخاوف الأخيرة تفوق السابقة".
أكدت مجموعة من مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي هذا الأسبوع أن صانعي السياسة يراقبون الوضع في أوكرانيا من كثب بالطبع. قال توم باركين، رئيس الاحتياطي الفيدرالي في ريتشموند، إن الحرب من غير المرجح أن تغير "المنطق الأساس" لخطة بدء رفع أسعار الفائدة. من جانبه، قال رافائيل بوستيك رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا، إنه كان يقظا، لكن سياسة الاحتياطي الفيدرالي كانت "على استعداد للعودة إلى موقف أكثر تطبيعا".
في الوقت نفسه، قال كريستوفر والر محافظ الاحتياطي الفيدرالي، "من السابق لأوانه معرفة كيف سيؤثر الهجوم الروسي في أوكرانيا على الاقتصاد الأمريكي، وقد لا يكون الأمر أسهل بكثير بحلول موعد اجتماعنا في آذار (مارس)". في الوقت الحالي، مع تساوي الأمور، فقد أيد رفع أسعار الفائدة لمواجهة التضخم.
أيضا قال رابوبانك، "إذا اعتقد الاحتياطي الفيدرالي أن الأمر لا يزال كالسابق، فربما ينبغي للسوق أن تعتقد ذلك أيضا".
بشكل عام، ربما لا تزال "أشمور" على حق. لقد صدم بوتين العالم، لكن المستثمرين ربما لن يعودوا للحديث عن تأثيره في محافظهم في غضون أسابيع قليلة.