الميتافيرس .. مكان عمل افتراضي بدون أطر قانونية
في كانون الأول (ديسمبر)، ارتدت نينا جين باتيل، باحثة دكتوراه تبلغ من العمر 43 عاما، سماعة رأس ودخلت عالم ميتا الافتراضي لترى ما كان يحدث في ذلك اليوم. تقول باتيل، "في غضون ثوان من وجودي هناك، وجدت ثلاث شخصيات افتراضية "أفتار" بالقرب مني. فجأة، بدأوا بالتقاط صور سيلفي.
وقع الأمر في الميتافيرس - وهو عالم افتراضي غامر يمكن الوصول إليه باستخدام التكنولوجيا القابلة للارتداء - حيث تتوقع منا مجموعات التكنولوجيا أن نقضي نسبة أكبر بكثير من وقتنا في المستقبل في اللعب، والأهم من ذلك في العمل.
لكن عندما يتعلق الأمر بقوانين التوظيف، ليس واضحا ما قوانين المشاركة التي تنطبق على فضاء رقمي عالمي. ما التصرف الذي يعد تحرشا في الميتافيرس؟ هل يمكن أن تتعرض شخصية افتراضية للتمييز، أو لما هو أسوأ من ذلك؟ هل ستحمي التشريعات الوطنية الموظفين أم أن العمل في الميتافيرس سيتطلب صياغة قوانين جديدة تماما؟.
عدم وجود إطار قانوني
أصبحت القوى العاملة على مستوى العالم أكثر اعتيادا على العمل عن بعد في العامين الماضيين بسبب جائحة كوفيد - 19، وبدأت الشركات بالفعل في تجربة الواقع الافتراضي في مكان العمل. مجموعة فنادق هيلتون، مثلا، تستخدم الواقع الافتراضي في مكان العمل لتدريب الموظفين على كيفية التعامل مع النزلاء. في العام الماضي، بدأت مايكروسوفت تنفيذ خطة لتمكين الموظفين من الظهور في برنامج تيمز التعاوني الخاص بها على أنهم شخصيات افتراضية، في خطوة كانت هي الأولى نحو المزج بين عالم العمل المادي والرقمي.
لكن الميتافيرس يأخذ العمل الهجين خطوة إلى الأمام، ويجلب معه مجموعة من القضايا الشائكة لقانون العمل. تتنوع القضايا من تحديات عملية، مثل طريقة دفع أجور الموظفين، إلى تحديات أكثر فلسفية، مثل، ما إذا كانت الشخصيات الافتراضية تملك هوية قانونية. يقول جوناثان نيومان، الشريك الإداري في شركة سيمونز آند سيمونز للمحاماة، "الألغاز القانونية متنوعة بقدر تنوع احتمالات الميتافيرس نفسه".
يتم تنظيم عالم العمل المادي من خلال الأطر القانونية الوطنية. في كاليفورنيا، مثلا، يمكن فصل الموظفين دون سابق إنذار، بينما في هولندا، لا يمكن فصل الموظفين بشكل عام دون موافقة المحكمة أو وكالة التوظيف الهولندية. لكن في الميتافيرس، قانون العمل الوطني المطبق ليس واضحا مباشرة.
يقول جوناثان تشامبرلين، الشريك في شركة جولينج دبليو إل جي للمحاماة، "من ناحية، الميتافيرس مجرد منصة أخرى. المبادئ الأساسية المطبقة في علاقات العمل تظل كما هي بغض النظر عن المنصة". أضاف قائلا، "يمكن القول، في عصر منصات مثل ’زووم‘ و’تيمز‘، كثيرون منا مرتبطون فيها بالفعل. لكن علاقة العمل بقيت حتى وقت قريب نسبيا ثابتة من الناحية الجغرافية إلى حد كبير (...) حيث لا يزال قانون العمل مرتبطا بالدولة أو الولاية إلى حد كبير. في الأغلب، لا يمكنك الانسحاب من نظام حماية العمالة القانوني في بلدك حتى لو كنت أنت - أو رئيسك - تريدان ذلك".
حتى الآن، لم يقرر أحد بعد ما الإطار القانوني الذي ينبغي تطبيقه على مكان عمل رقمي لامركزي؟، قد يتنقل فيه العمال، منفصلين جغرافيا عن بعضهم بعضا وعن الشركة التي يعملون فيها.
يقول نيومان، "لا توجد أي حدود وطنية في الميتافيرس، لذا فالسؤال الأول هو، أين هي الولاية القضائية ذات الصلة الأكبر بالعمل؟". تابع قائلا، "يمكن أن يطبق قانون الدولة التي تنتمي إليها الشركة التي تمتلك هذه المنصة (...) أو يمكن أن يكون قانون الدولة التي توجد فيها الخوادم، أو حيث يوجد الموظف (...) لم يتوصل أحد إلى اتفاق بشأن ذلك".
مشاركة العاملين في الميتافيرس تثير أيضا أسئلة مهمة حول الخصوصية وأمن البيانات، نظرا إلى حجم البيانات الشخصية التي تتوقع شركات مثل "ميتا" جمعها وتحقيق عوائد مالية منها.
قام تحقيق أجرته "فاينانشيال تايمز" في كانون الثاني (يناير) بتحليل مئات من طلبات شركة ميتا إلى مكتب براءات الاختراع والعلامات التجارية في الولايات المتحدة. في حين أن هذه الطلبات لا تعني أنه سيتم بناء التكنولوجيا، إلا أنها سلطت الضوء على خطط "ميتا" لجمع مجموعة واسعة من بيانات الاستدلال البيولوجي "البيانات الحيوية"، مثل تشنجات العين وتقلبات الأنف وحركات الجسم. ستساعد هذه البيانات الشركة على ضمان أن تكون البيئات الرقمية التي تنشئها واقعية، لكنها كشفت أيضا عن مدى خطط الشركة للاستفادة من الميتافيرس بما في ذلك استخدام البيانات الشخصية العميقة لبيع الإعلانات بطرق أكثر استهدافا.
في العالم الواقعي، في المملكة المتحدة وأوروبا، تنظم اللائحة العامة لحماية البيانات GDPR البيانات التي يمكن لأصحاب العمل جمعها عن موظفيهم وتخزينها، بما في ذلك السجلات الطبية والشخصية إضافة إلى بيانات أخرى مثل تقييمات الموظفين السابقة. نتيجة لذلك، يتعين على الشركات التي ترغب في التموضع في الميتافيرس التفكير في طريقة حماية بيانات الموظفين بينما تطالبهم بالمشاركة في العالم الافتراضي.
كتبت بريتان هيلر، محامية التكنولوجيا والزميلة في مؤسسة أتلانتيك كاونسيل الفكرية ومقرها الولايات المتحدة في ورقة مناقشة نشرت 2020، "القوانين الحالية لا تأخذ في الحسبان النماذج الجديدة التي يتم إنشاؤها في التكنولوجيا الغامرة". أضافت، "كثير من الأسئلة التي تطرحها التكنولوجيا الجديدة تجعلنا نتجاوز حدود القانون الحالية، كيف يتم جمع بيانات المستخدم التي جمعت من خلال المسح الضوئي؟ وكيف يتم تخزين المعلومات؟ كم مرة يتم تحديث المعلومات؟ وما مدة الاحتفاظ بالبيانات".
الأخطار الخفية
باتيل، التي تعرضت لمضايقات في الميتافيرس، هي باحثة دكتوراه في جامعة ريدينج، تدرس "الأثر النفسي والفسيولوجي" الناتج عن الخوض في هذه العوالم الافتراضية الغامرة. تعرف باتيل أفضل من معظم الناس كيف يكون الشعور إثر انتهاك يتم عبر التفاعل في تجربة رقمية.
"في الفضاء الافتراضي، يبدو أنه من المقبول أن يتصرف الناس بطريقة مختلفة عن تصرفاتهم في الحياة الواقعية"، كما تقول باتيل، ما يؤدي إلى مشكلات محتملة لانضباط السلوك الرقابي في مكان العمل في الميتافيرس. تقول، "إن التعليقات التي تلقيتها ردا على ذلك -في مدونة حول تجربتها-، تظهر أن هناك أشخاصا يعتقدون أن هذا السلوك ملائم في البيئات الافتراضية".
كما أن القوانين التي تحمي الموظفين من التحرش والتمييز لا تغطي بدقة عالما يعمل فيه المستخدمون رقميا. إن تحميل شخصية افتراضية المسؤولية عن أفعال مثل المضايقة قد يعني إسناد شخصية اعتبارية إليها حتى يمكن مقاضاتها أو ملاحقتها قانونيا.
تساءل نيومان، "وصلت في الآونة الأخيرة تقارير عن التحرش في الميتافيرس الأمر الذي يدعو إلى طرح سؤال عن إمكانية أن يكون للكائن الرقمي أيما حقوق، وإذا كان الأمر كذلك، فهل تمتد الحماية الحالية من التحرش إلى تلك الشخصية الافتراضية؟".
فيما تحمي أيضا قوانين المملكة المتحدة الحالية العمال من التعرض للتمييز على أساس تسع خصائص محمية بالقانون منها الجنس، والدين والعرق. لكن هل هذه القوانين لا تزال سارية في عالم يستطيع فيه الأشخاص تقديم أنفسهم كما يحلو لهم، بما في ذلك في بعض الحالات على أنهم حيوانات أو روبوتات؟.
قد تكون قضايا التعبير عن الذات صعبة من الناحية القانونية والأخلاقية. تقول تشامبرلين، "ماذا لو أردت أن أقدم نفسي في الميتافرس بصفتي امرأة سوداء شابة؟ هل سأكون قادرة على فعل ذلك؟ هل سيقول أصحاب العمل أن شخصيتك الافتراضية يجب أن تشبهك في الحقيقة؟ وإلى أي مدى سيسمح لنا بحرية التعبير؟".
وقفة للتأمل
في مدونة نشرت العام الماضي، قالت شركة ميتا، "لن يتم بناء الميتافيرس بين عشية وضحاها من قبل شركة واحدة"، وأضافت، " كثير من هذه المنتجات ستكتمل تماما فقط خلال عشرة -15 عاما المقبلة". لكن مؤسس ميتا، مارك زوكربيرج تعهد بإنفاق عشرة مليارات دولار سنويا على مدى العقد المقبل على الميتافيرس، بينما تحاول مجموعات التكنولوجيا الكبيرة الأخرى اللحاق به بشدة.
في كانون الثاني (يناير) الماضي، وافقت "مايكروسوفت "على شراء شركة أكتيفيجين للألعاب في صفقة قيمتها 75 مليار دولار بهدف "توفير حجر الأساس للميتافيرس"، وفقا للشركة. قال ساتيا ناديلا، الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت، في حديثه إلى "فاينانشيال تايمز" أخيرا، "بالفعل، سنجلس أنا وأنت على طاولة الاجتماعات قريبا إما من خلال شخصياتنا الافتراضية وإما من خلال صورنا الهولوجرامية المجسمة أو حتى الأسطح ثنائية الأبعاد مع إضافة الصوت المحيطي".
بينما أقرت المدونة التي نشرتها" ميتا" بأن انتظار هذه التكنولوجيا "محبط للمتحمسين منا للخوض في غمارها، فهي تمنحنا الوقت لطرح الأسئلة الصعبة حول طريقة بنائها". قد يكون ذلك من دواعي سرور الموظفين المتوقع أن يسكنوا الميتافيرس.