رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


أزمات تتجدد .. متحورات ومواجهات

يبدو أن العالم سيعيش حالة من التوترات والقلق إزاء اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وسيشهد الموقف تقلبات على الجانبين السياسي، والاقتصادي، وسيؤثر العامل الأخير بالطبع في قطاعات وأنشطة تجارية وأسواق مال، وسلاسل إمداد، كما فعلت جائحة كورونا في الأنشطة الاقتصادية وعطلت حركة التجارة، وساد الإغلاق لفترات طويلة. وقد كان متوقعا بالطبع التوتر الحالي على الساحة الاقتصادية، والاستثمارية العالمية، في أعقاب الاجتياح الروسي لأوكرانيا، بعدما فشلت كل الجهود التي بذلت من أجل منع هذا الاجتياح، أو تحول الأزمة إلى ساحة عسكرية، لا أحد يستطيع أن يحدد آفاقها بمن في ذلك الدول الكبرى.
إن الهبوط الحاد الذي ضرب مؤشرات الأسهم في الأسواق العالمية، فور الإعلان عن العملية العسكرية التي هزت أداء البورصات وأحدثت حراكا معهودا في مثل هذه الظروف هو توجه شريحة كبيرة من المستثمرين إلى الملاذات الاستثمارية الآمنة، بصرف النظر عن انخفاض عوائدها، وهبوط الأسهم في الأسواق الغربية الذي بدأت مؤشراته في الواقع فور إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن في الـ11 من الشهر الجاري، وحثه الأمريكيين على مغادرة أوكرانيا، حيث أصبحت الأسواق كلها في حالة ترقب ورعب وهلع، الأمر الذي بدا معه المستثمرون يدرسون خياراتهم الأخرى.
الأزمات الكبرى يأتي معها ارتباك خطير للأسواق، حتى إن كانت في نطاقها السياسي، فكيف الحال إذا أخذت هذه الأزمة منحى غير سياسي؟ ولا يزال العالم يتذكر الهبوط الحاد للأسواق العالمية متأثرة بالأزمة الأوكرانية نفسها التي اندلعت في عام 2014، فضلا عن ارتفاع أسعار الطاقة بأنواعها، ففي الساعات الأولى من الخميس الماضي، تكبدت الأسواق خسائر كبيرة، وانهارت الأسهم الروسية، حيث انخفض مؤشرها الرئيس 45 في المائة دفعة واحدة. المشكلة المصاحبة أيضا كانت في تراجع قيمة الروبل الروسي 10 في المائة على الأقل.
وخلال ساعات أيضا بلغ سعر برميل النفط 100 دولار، وفي حال استمرار الأزمة بهذه الصورة، فإن أسعار الطاقة بأنواعها ستواصل الارتفاع، ما سيزيد من ضغوط التضخم على الدول المستهلكة للطاقة خصوصا في أوروبا والولايات المتحدة. حتى العملات المشفرة تعرضت هي الأخرى لهبوط حاد في زحمة هذه الأزمة.
الوضع العام في الأسواق، رفع بالطبع مؤشرات الملاذات الآمنة كالذهب والأسهم، إلى جانب قطاعات تعرف بأنها مقاومة للتضخم، فالمستثمرون الخائفون يعتقدون أن الأزمة الأوكرانية ربما تطول، بل ربما تتفاقم أكثر مما هي عليه الآن، فليس أمامهم سوى اللجوء التقليدي المعروف إلى هذه الملاذات، ومن الواضح، أنها ستشهد في الأيام القليلة المقبلة ارتفاعات جديدة، ما يرفع من وتيرة الهزات التي ضربت الأسواق الرئيسة حول العالم، ويضع العالم أمام مواجهة من نوع آخر على الصعيد الاقتصادي، خصوصا أنه لم يتم الانتهاء بعد من الآثار المخيفة التي تركها وباء كورونا عليه، فضلا عن تراكم المشكلات التي عاناها حتى قبل هذا الوباء.
الأزمة الأوكرانية نالت من الأسواق وهذا أمر طبيعي، لكنها في الواقع ستعمق أزمات اقتصادية مصاحبة، بما في ذلك الاضطراب الكبير في سلاسل التوريد، فضلا عن ضغوط التضخم على المستوى العالمي، وتراجع قيمة العملات بوتيرة سريعة، وارتفاع أسعار الطاقة. الاقتصاد العالمي يواجه اليوم اختبارا صعبا جديدا، ويأتي هذا الاختبار وسط ضغوط كبيرة أيضا، ولا تزال حاضرة على الساحة من مخلفات أزمة الوباء، وكذلك المعارك التجارية التي سبقتها. كما يواجه العالم أزمة طاقة من خلال ارتفاع أسعار النفط التي قفزت إلى مستويات عام 2014.
الأزمة الراهنة تنال من كل أطرافها، خصوصا إذا ما استمرت لفترة أطول، فحسمها اليوم عن طريق التفاهمات، سيوفر قوة دعم للجميع ليس على صعيد السلام فقط، بل على المستوى الاقتصادي ككل، حيث إن روسيا ستعاني بالفعل العقوبات وتراجع المداخيل وانخفاض قيمة عملتها مع زيادة لمعدلات التضخم، لكنها لن تكون الوحيدة في ذلك، بل ستتضرر معها دول العالم أجمع مع اختلاف مقاييس الضرر بين دولة وأخرى، وحجم التحمل، وكفاءة الخطط الاقتصادية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي