رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


تجارة المؤتمرات العلمية

في 2005، طور ثلاثة من طلاب الدراسات العليا، جيريمي ستريبلينج، وماكس كرون، ودان اجوايو، في معهد ماساتشوستس للتقنية Massachusetts Institute of Technology في الولايات المتحدة، برنامجا يدعى SCIgen. ويقوم البرنامج على كتابة أوراق علمية عشوائية في علوم الحاسب، بحيث تكتب الورقة العلمية من كل النواحي بما في ذلك الرسوم البيانية والجداول والاستشهادات والمراجع من غير إملائية، وكل ما عليك فعله في البرنامج هو كتابة أسماء المؤلفين وخلال لحظات يكون بين يديك ورقة علمية لكنها مليئة بالهراء "العلمي" العشوائي.
وكان هدف الطلاب الثلاثة التسلية في بداية الأمر، لكن قرروا تجربة نتائج البرنامج وإرسال بعض من الأوراق إلى مؤتمرات تجارية قد ملأت بريدهم الإلكتروني بدعوات مزعجة وكثيرة. وبالفعل قدمت ورقتان إلى أحد المؤتمرات وقبلت إحداها وسط دهشة الطلاب في مؤتمر علمي يقام سنويا في مدينة أورلاندو في ولاية فلوريدا. ثم اكتشفت إدارة المؤتمر الحيلة وألغت قبول ورقة الطلاب، بعد اطلاع إدارة المؤتمر على الموقع الإلكتروني الذي يحكي قصة البرنامج. لكن أصر الطلاب على السفر إلى مقر فندق المؤتمر والحضور متنكرين بأسماء غير حقيقية وجهات وهمية، بل تقديم جلسة علمية في المؤتمر وثلاث أوراق هرائية، والمدهش أن كل العروض المرئية كانت هراء وعشوائية ومبعثرة الأفكار. ثم أخذ برنامج SCIgen بعد ذلك في نمو متصاعد من الاستخدام حتى اكتشف وسحبت الأوراق بعد أن ثبت أنها صنيعة هراء علمي أجوف وإنشاء برمجيات الكشف لمكافحة استخدامها. إذن، كيف قبلت هذه المؤتمرات مثل هذه الأوراق العلمية الهزلية أو الهرائية؟ ولماذا لم تحكم جيدا؟ أم أنه مجرد تصفيف حروف وأشكال بيانية وجداول ومعادلات ومراجع يظهر زخما جميلا للمراجع ولا يستطيع أن يرفضه من باب "إذا لم تستطع أن تقنعه، حيره في أمره"؟ أو لقلة خبرة المحكم نفسه؟ أو أن بعض المؤتمرات دخلت في حيل شفط الأموال وانقلبت تجارية أو سياحية؟ تقوم المؤتمرات العلمية على تجمع أفراد معينين في مكان وزمان محددين من أجل مناقشة آخر التطورات البحثية بحيث يخدم قطاعا صناعيا أو صناعة معينة.
وتتميز هذه المؤتمرات بمتحدثين رئيسين ومحاضرات لأوراق علمية وورش عمل قصيرة وتدريب وأحيانا معرض مصاحب. ويجتمع عادة في المؤتمرات العلمية عدد من الباحثين الأكاديميين وغير الأكاديميين لعرض ومناقشة أعمالهم ونتائج أبحاثهم، حيث تعد المؤتمرات، إضافة إلى المجلات العلمية، المنصات الأكثر انتشارا لنشر الأبحاث وعرض ومناقشة النتائج العلمية. ويتم تنظيم المؤتمرات والدعوة إليها من قبل معاهد البحوث والجامعات والجمعيات العلمية وغيرها، وقد تتعاون بعض الشركات التجارية أو الصناعية والجمعيات العلمية برعاية المؤتمرات، ولوحظ أخيرا دخول شركات تجارية في الدعوة إلى مؤتمرات علمية.
إن الهدف من المؤتمرات العلمية هو تقديم مستجدات البحث العلمي واستقطاب العلماء المتميزين لتقديم محاضرات علمية نوعية، وتبيان المساهمات العلمية والاستنتاجات البحثية. ولكن واقع بعض المؤتمرات العلمية أصبح ذا صبغة تجارية أكثر من كونه ذا طابع علمي، أو لنقل احتيالا من أجل تقديم أوراق علمية ودفع تكاليف الورقة التي تكون عادة فوق المعقول. وفي حقيقة الأمر أصبح ديدن هذه المؤتمرات السعي نحو الربح والتجارة ليس إلا، حيث تبقى الورقة العلمية مجرد هراء من غير مساهمة علمية جادة وحقيقية وهذه بضاعة هذه المؤتمرات، ولذلك قد تلاحظ أن بعضا من هذه المؤتمرات يقام في مناطق ومنتجعات سياحية جذابة. وتقوم هذه المؤتمرات إما على عدم مراجعة الورقة "وإما على مراجعة عامة وسريعة جدا" من غير تدقيق علمي أو ما يسمى Peer Review، أو صياغة موقع إلكتروني عام، وقد تجد فيه أخطاء علمية أو إملائية أو إعلان مشاركة باحثين بارزين في المؤتمر دون علمهم، أو تشابه مسمى المؤتمر مع آخر معروف أو مشهور في العلم ذاته، أو إرسال الدعوات بكثرة وبصورة مزعجة إلى كل الباحثين في العالم وهذا شائع بكثرة، أو سرعة الرد في قبول الورقة العلمية من غير ملاحظات دقيقة. وأطلق البعض عليها مسمى المؤتمرات الوهمية لأنها وهم علمي أو مؤتمرات مفترسة، لكونها تفترس أموال الباحثين والعلم نفسه. وتستفيد الجهات المنظمة من العوائد المالية، كما تستفيد الفنادق وشركات الطيران والأماكن السياحية التي تنظم فيها تلك المؤتمرات، بينما يشارك فيها باحثون قدموا على حساب مؤسسات علمية وشركات تجارية. ولذلك فإن الباحث المشارك لا يخسر شيئا سوى أنه يجد فيها فرصة للسفر والسياحة والاستجمام، وهذا ما تنظر إليه تلك المؤتمرات من الربح الوفير وتغيير بوصلة المؤتمر العلمي إلى جولات سياحية. والمفزع أن هذه المؤتمرات الوهمية بدأت الانتشار كثيرا، وأصبحت تراسل الباحثين والأكاديمين وطلاب الدراسات العليا منذ العقد الماضي، خصوصا عن طريق البريد الإلكتروني. وعلى الرغم من جائحة كورونا، ما زالت تلك المؤتمرات تواصل دورها وأصبح يدعى لها عن بعد.
في الختام، يتم الترويج اليوم لعشرات المؤتمرات العلمية ذات الجودة الضعيفة، وأحيانا الاحتيالية، في جميع أنحاء العالم، ما يمثل تحديا على نطاق صناعي للجمعيات القوية وبرامج التعليم عالية الجودة، وتمثل ظاهرة عالمية تؤثر اليوم سلبا في كل تخصص علمي. وانتقل مدى المؤتمرات الوهمية إلى مجلات علمية تدعي التحكيم الدقيق، لكنها تشابه المؤتمرات الوهمية في خوارها العلمي. إن على الباحثين عدم الاقتراب من هذه المؤتمرات التي لا تزيدهم من العلم شيئا سوى خسارة جهدهم العلمي، وعلى وزارة التعليم والجامعات ومعاهد البحوث التنبيه على عدم حضور مثل هذه المؤتمرات التي تمثل إضاعة للمال والجهد والوقت للدولة وللباحث على حد سواء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي