البريميرليج يبلغ سن الـ 30 .. قصة نجاح إنجليزية
في إحدى الأمسيات الباردة في أوائل عام 1993، في الموسم الأول للدوري الإنجليزي الممتاز "البريميرليج"، ذهبت برفقة صديق لمشاهدة مباراة بين أرسنال وليدز. وصلنا إلى ملعب هايبري دون تذاكر، ودفعنا نحو خمسة جنيهات استرلينيه لكل منا، ومن ثم وقفنا أسفل كلوك إند في الملعب. كان الملعب الصغير ممتلئا إلى الثلثين فقط، وكان هناك 26516 متفرجا. مع الأسف، كانت مجموعة كبيرة منهم تقف أمامنا، لذلك لم أتمكن من رؤية سوى القليل من الملعب الموحل، ولا يظهر شيء من المرمى من جهتنا. تم تسجيل جميع الأهداف الأربعة هناك.
كان اللاعب جوردن ستراشان صغير الحجم رائعا في فريق ليدز. قال رجل يقف بجانبنا: "لا أعلم ما الذي يطعمونه إياه"، ثم صرخ على خط دفاع فريق أرسنال: "هيا، تعاملوا معه. من أنتم، جمعية تقدير جوردن ستراشان؟". تلقى ديفيد هيلير من أرسنال، وهو ليس لاعبا مفضلا لدى الجماهير، بطاقة صفراء بسبب اندفاعه الأخرق المتكرر. صاح مشجع أرسنال: "اطرده يا حكم". نصحه شخص ثان: "امنعه من اللعب إلى الأبد". أضاف ثالث: "أو لمدة أطول، إن أمكن". عندما شاهدت مقتطفات من المباراة على منصة يوتيوب (أصبح السفر عبر الزمن ممكنا الآن)، أدهشني أن كل لاعب تقريبا كان أبيض وبريطانيا، وأن لعبة كرة القدم كانت مروعة.
قبل 30 عاما من هذا الأسبوع، انفصلت أندية الدرجة الأولى في إنجلترا من دوري كرة القدم لإقامة الدوري الإنجليزي الممتاز. أصبح ابتكارهم الدوري الأكثر مشاهدة عالميا في تاريخ الرياضة. بالحكم عبر نتائج الأندية في المنافسات الأوروبية، تجاوز الدوري الإنجليزي الممتاز الدوري الإسباني "لاليجا"، أقوى دوري في أوروبا، وبالتالي في العالم، في 2017.
تشمل كل مباراة في الدوري الإنجليزي الممتاز تقريبا في نهاية هذا الأسبوع عددا من اللاعبين بجودة ستراشان. حدث كل هذا في بلد متوسط الحجم ينتج عددا قليلا من لاعبي كرة القدم الرائعين. إن قصة الدوري الإنجليزي الممتاز هي تاريخ بديل لإنجلترا الحديثة. لقد نجح الدوري بفضل نقاط القوة والخصائص الإنجليزية، ومن بينها علاقة البلد بالأموال.
هيمنت الأندية الإنجليزية على المنافسات الأوروبية في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضي، بمساعدة جيل رائع من اللاعبين الاسكتلنديين والويلزيين والإيرلنديين. لكن اللعبة الإنجليزية دخلت التسعينيات وهي تعاني بسبب ثلاث كوارث جماهيرية. في 11 أيار (مايو) 1985 لقي 56 متفرجا مصرعهم في حريق في منصة قديمة في ملعب برادفورد سيتي. وفي وقت لاحق من الشهر نفسه، تم سحق 39 شخصا حتى الموت في ملعب هيسيل في بروكسل حين فر مشجعو فريق يوفنتوس من مشجعي فريق ليفربول. وبعد أربعة أعوام، حدث تدافع آخر في ملعب هيلزبره، بسبب سوء التنظيم على شرفة مثل حظيرة الماشية، ما تسبب في مقتل 97 شخصا.
لم تكن الآمال عالية في تشرين الأول (أكتوبر) 1990، عندما استضاف جريج دايك، رئيس قناة آي تي في سبورت، القناة التي عرضت مباريات الدرجة الممتازة، عشاء لرؤساء الأندية "الخمسة الكبرى" في إنجلترا. كانوا يخططون للانسحاب من دوري كرة القدم ليتمكنوا من التوقف عن مشاركة دخل حقوق البث التلفزيوني مع الأندية الأخرى البالغ عددها 87. كانت الخطة أن تشتري قناة آي تي في حقوق الأندية الخمسة مباشرة. انتهى الأمر باتخاذ الرؤساء قرار إنشاء الدوري الإنجليزي الممتاز. أخبرني دايك بعد عقود: "من كان يتوقع أن ينتهي بنا الأمر إلى أن تكون كرة القدم الإنجليزية مملوكة بشكل كبير من قبل ملاك أجانب، ويديرها مديرون أجانب، ويلعب فيها لاعبون أجانب بشكل غير متناسب؟".
كانت التطورات المبكرة التي أحرزها الدوري الإنجليزي الممتاز عرضية جزئيا، وتم دفع اللعبة في الاتجاه المعاكس من قبل الغرباء. قناة جديدة لإذاعة الأقمار الاصطناعية، سكاي سبورتس لصاحبها روبرت ميردوك، زايدت على قناة آي تي في، واشترت حقوق البث التلفزيوني للدوري مقابل 60.8 مليون جنيه في الموسم الواحد – وهي ثروة كبيرة يصعب تصديقها في ذلك الوقت.
كان الأشخاص الذين اشتروا أطباق الأقمار الاصطناعية هم فقط من يمكنهم مشاهدة الدوري الجديد. لكن الحكومة سمحت بذلك لأن بريطانيا ما بعد تاتشر كانت تثق بالسوق الحرة – وهذا شرط أساسي لنجاح الدوري الإنجليزي الممتاز. احتفظت ألمانيا الأكثر ديمقراطية واشتراكية بحصة أكبر من الدوري الخاص بها على عدة قنوات مجانية. وبقدر ما كان ذلك مثيرا للإعجاب، كان يعنى أيضا أن أكبر بلد واقتصاد كرة قدم في أوروبا لا يمكنه تمويل أفضل دوري في أوروبا.
في غضون ذلك، وبعد حادثة ملعب هيلزبره، أمرت الحكومة البريطانية الأندية بترميم ملاعبها المتهاوية وجعلها جميعا مهيأة بمقاعد للجلوس. كانت فكرة تجارية واضحة، لكن الأندية كانت تقاومها دائما. بمجرد أن تم إجبارها على تحديث ملاعبها (وتحديث دورات المياه)، أتى مزيد من العملاء، بما في ذلك بعض النساء والعائلات حتى.
بعد أن أصبحت الملاعب الإنجليزية آمنة، تبين أنها أماكن مثالية. يقول سيمون إنجليس، مؤرخ ملاعب كرة القدم، إن عبقرية الملاعب البريطانية تكمن في رخصها.
لتوفير المساحة، تقف المنصات مرتفعة بشكل حاد عند حافة الملعب. لم يكن هناك مضمار لألعاب القوى لأن ألعاب القوى لم تدفع، لذلك احتشد المشجعون في مواجهة الملعب. كانت الأسطح المنخفضة تضخم غناءهم. وتعمل الأصوات الصادرة عنهم على إثارة حماس اللاعبين ودفعهم إلى بذل قصارى جهدهم – وهي سمة مميزة للدوري الإنجليزي الممتاز.
المهندس المعماري السويسري جاك هيرزوغ، من شركة هيرزوغ آند دو ميرون، التي تضم ملاعبها "بيردز نيست" الأولمبي في بكين ومدرج أليانز في ميونيخ، أخبرني ذات مرة: "أن النموذج الذي بدأ شغفنا منه بطريقة ما هو الملعب الإنجليزي الكلاسيكي. في الأغلب ما يكون الملعب قبيحا، مثل ملعب أولد ترافورد أو ليفربول. لكنها تملك تفاصيل شيقة للغاية، مثل البوابات، أو الأنفاق، أو غيرهما من الميزات التي تجعلها موطنا للجماهير. مثلا، النفق في ملعب ليفربول، الذي يحمل لافتة - هذا آنفيلد - This is Anfield، حيث يدرك اللاعبون أنهم على وشك دخول الملعب، نموذج معماري. أحب هيرزوغ حميمية اكتظاظ الملاعب الإنجليزية: "مسرح شكسبير – ربما كان نموذجا حتى لملعب كرة القدم في إنجلترا".
مثل المتفرجين في المقاعد الرخيصة في أيام شكسبير، يعد المشجعون الإنجليز أنفسهم مشاركين في العرض، يشاركون في ابتكار اللعبة عبر هتافاتهم وأغانيهم. لا يركزون على الفوز. وتصبح الخسارة مغذية للفكاهة الساخرة من الذات، مثل شرح الكوميدي جاسبر كاروت الحياة كمشجع لفريق بيرمنجهام سيتي: "تخسر بعض المباريات، وتتعادل في بعض آخر". غنى مشجعو نادي مانشستر سيتي، في السنوات السيئة حين شاهدوا فريقهم يلعب ضد الأندية الصغيرة في الدرجة الثانية، بشكل بعيد عن الواقع: "إننا لسنا هنا حقا".
أخبرني لاعب كرة القدم الهولندي العظيم يوهان كرويف في عام 2000: "إذا نظرت إلى البلدان الأخرى، ستجد أن لديها قيما مختلفة: الفوز أمر مقدس. أما في إنجلترا، فيمكنك القول إن الرياضة نفسها هي المقدسة". ولأن الأندية في الدوري الإنجليزي الممتاز مسموح لها أن تخسر، فإنها تتجرأ على لعب كرة قدم مفتوحة وجذابة.
اعتمد الدوري على اثنين من الأصول الإنجليزية الأخرى المتناقضة ظاهريا: التقاليد وثقافة الشباب. يعمل في الأندية الأقدم في العالم شبان ذوو مواقف وتسريحات شعر مبتكرة. في أيلول (سبتمبر) 1992، مثلا، ظهر ديفيد بيكهام البالغ من العمر 17 عاما لأول مرة مع نادي مانشستر يونايتد البالغ من العمر 114 عاما. وكما يتضح من زواجه من فيكتوريا آدامز، وهي مغنية من فرقة سبايس جيرلز في ذلك الوقت، تتضافر كرة القدم الإنجليزية مع ذلك الفرع الآخر من ثقافة الشباب البريطاني، الموسيقى. أنتجت مدينة الميناء ليفربول المتقلصة آنذاك فرقة البيتلز ونادي ليفربول لكرة القدم. ويغني مشجعو نادي مانشستر سيتي أغاني تم تكييفها من فرقة أويسس التي تدعم مانشستر سيتي.
الأمر الوحيد الذي كانت كرة القدم الإنجليزية تفتقر إليه في بداية التسعينيات هو لاعبو كرة القدم والمدربون الجيدون. يصنف الكاتب الفرنسي فيليب أوكلير، لاعبي الدوري الإنجليزي الممتاز الأوائل، على أنهم "لاعبو خط وسط مداهمون يمكنهم اللعب في منطقة الخصم وكذلك في الدفاع ويستخدمون قدما واحدة، ولاعبو خط دفاع وخط هجوم عمالقة بلمسات ثقيلة". كان الدوري بحاجة إلى استيراد الجودة. من بين المئات من الأجانب الذين دخلوا البلاد في عام 1992، قام ثلاثة منهم أكثر من غيرهم بتحويل اللعبة الإنجليزية: إيريك كانتونا، وأرسين فينجر، ورومان أبراموفيتش.
وصل الفرنسي كانتونا إلى ليدز في كانون الثاني (يناير) 1992 كـ"فشل مجيد". في عمر 25 عاما، كان قد لعب بالفعل لمصلحة ستة أندية، بل حتى تقاعد لفترة وجيزة من كرة القدم، بعد أن صعد أمام كل عضو من اللجنة التأديبية في الدوري الفرنسي وكرر كلمة "أحمق". لقد جمع كثيرا من البطاقات الحمراء. ومع ذلك كان الدوري الإنجليزي الممتاز بحاجة إليه.
كان شبيه مارلون براندو الشاب بقميص ذي ياقة مرتفعة صدمة بصرية في إنجلترا المتهالكة الشاحبة، التي ضربها الركود الاقتصادي في أوائل التسعينيات. بدا كانتونا دائما على علم بمكان وجود الجميع على أرض الملعب، وكان بإمكانه وضع نفسه تقريبا بشكل غير ملحوظ "بين الخطوط"، والتمرير بسرعة ودوران مثاليين. في ذلك الوقت، لم يكن هناك لاعب آخر مثله في البلاد. بعد ثلاثة أشهر من وصوله، حاز نادي ليدز اللقب. لكن كذلك كان عدم ثقة البريطانيين فيما كان يسمى آنذاك "الذوق القاري" لدرجة أن النادي سرعان ما باعه إلى مانشستر يونايتد مقابل مليون جنيه استرليني. عندما أخبر مدرب نادي يونايتد، أليكس فيرجسون، مساعده، براين كيد، المسؤول عن الثمن، شهق: "هل فقد ساقه أو شيئا من هذا القبيل؟".
بصفته "فنانا" كما يعد نفسه، رأى كانتونا وظيفته على أنها أداء أمام حشد من الناس. وكان قد وجد الحشود الفرنسية الصغيرة باردة وناقدة. لكن المعجبين الإنجليز تجاوبوا معه.
كان فيرجسون يعلم أن نادي يونايتد – الذي لم يحصل على لقب الدوري منذ عام 1967 – بحاجة إلى التخلي عن كرة القدم "البريطانية" البدائية ذات التمريرات الطويلة. وأظهر له كانتونا كيفية القيام بذلك. في عام 1993 قاد الرجل الفرنسي نادي يونايتد إلى لقب الدوري الإنجليزي الممتاز. وانتهى به الأمر نموذجا يحتذى للدوري بأكمله.
في عام 1996، أصبح ابن بلد كانتونا، فينجر، مدربا لنادي أرسنال. قال فينجر لاحقا: "شعرت وكأنني أفتح الباب أمام بقية العالم". لقد جلب معرفة لم يكن يمتلكها أحد في الجزر البريطانية آنذاك. مثلا، يصف مايكل كوكس في كتابه "ذا ميكسر" The Mixer حمية نادي آرسنال الغذائية قبل فينجر: يستمتعون بإفطار إنجليزي كامل قبل التدريب، وتتضمن خياراتهم قبل المباراة السمك والبطاطا المقلية، أو شريحة لحم، أو بيض مخفوق وفاصوليا على خبز محمص. وبعد المباراة، تصبح الأمور أسوأ حتى: في رحلة العودة الطويلة في الدرجة الاقتصادية من نيوكاسل، مثلا، يعقد بعض اللاعبين مسابقة أكل، حيث لا يمكن لأحد مضاهاة وجبات العشاء التسع الرائعة التي يتناولها لاعب قلب الدفاع ستيف بولد.
جعل فينجر لاعبي أرسنال يأكلون سمكا وخضراوات مسلوقة. ولكونه رائدا دائما، شجع على استخدام المكملات الغذائية مثل الكرياتين، واستخدم الإحصاء لتحليل أداء اللاعبين، وكان على علم بأسواق الانتقال الأجنبية. لم يتطلب الأمر بصيرة غامضة لفهم عبقرية لاعب احتياطي نادي ميلان، باتريك فييرا، ولاعب احتياطي نادي يوفنتوس، تييري هنري – رأى جماهير ملعب هايبري ذلك في غضون 45 دقيقة من ظهور فييرا الأول في مباراة ضد فريق شيفيلد وينزداي – لكن يبدو أنه لم يسمع أي مدرب آخر في إنجلترا بالرجل من قبل. كانت الأندية الإنجليزية في ذلك الوقت نادرا ما تستكشف الموهبة في الخارج.
وسرعان ما وظفت معظم الأندية مدربين أجانب، "حتى يومنا هذا، لم يفز أي مدرب إنجليزي بالدوري الإنجليزي الممتاز". لكن، وبشكل ضروري لنجاح برنامج التلفزيون الواقعي الذي أصبح عليه الدوري، تواصلوا باللغة العالمية. التزم لاعبو كرة القدم في إنجلترا الصمت في الأغلب لأن الصحف الشعبية تحول كلماتهم إلى عناوين صفحات أمامية فاضحة، وبالتالي كانت الشخصيات الرئيسة في العرض هم مديرو الفرق. ولدت الخلافات بين رجال مثل فينجر، وجوسيه مورينيو وبيب جوارديولا اهتماما يوميا عالميا. ما كان الأمر لينجح لو كانوا يتحدثون الألمانية.
منذ عام 2003، أصبح مالكو الأندية دوليين أيضا. عندما قرر الروسي الثري أبراموفيتش شراء ناد لكرة القدم، فكر في إسبانيا وإيطاليا. لكن الملكية كانت تبدو معقدة هناك. في إيطاليا، كان كثير من العائلات التي تمتلك الأندية تمارس الأعمال معا لأجيال. في إسبانيا، يمتلك المشجعون أنفسهم أكبر الأندية. انتهى الأمر ببحث أبراموفيتش عن ناد في لندن. بعد أن تم إبلاغه بشكل خاطئ بأن نادي أرسنال ليس معروضا للبيع، توغل في ضواحي شمال لندن لتفقد مدينة توتنهام، لكنه وجد نادي توتنهام هاي رود "أسوأ من نادي أومسك".
كان ملعب تشيلسي يقع بشكل مناسب بالقرب من حي نايتسبريدج. اشترى أبراموفيتش النادي من كين بيتس في عام 2003. أبرما الصفقة على قارورة من مياه إيفيان في فندق دورشيستر. بدأت تلك الصفقة حقبة جديدة في الدوري الإنجليزي الممتاز تمثلت في شراء الأجانب وتمويلهم للأندية الإنجليزية العريقة.
لكن بعض هذه الثروات ولدت بشكل غامض. فعندما وقع فينسينت كومباني للانضمام إلى نادي مانشستر سيتي في عام 2008، قيل له إن لقاءه مع مالك النادي آنذاك، رئيس الوزراء التايلاندي الأسبق ثاكسين شيناواترا، قد تم إلغاؤه لأن ثاكسين كان بحاجة إلى الاختباء إثر تعرضه لمشكلة صغيرة. لم يكن هناك أي داع للقلق. أما كيث هاريس، المصرفي الاستثماري ذو الخبرة المتواضعة، فقد كان بانتظاره دائما طابور من الأجانب الذين يكلمونه على الهاتف للسؤال عما إذا كان هناك أي أندية إنجليزية متاحة للبيع. حتى المجلس العسكري في ميانمار كان قد فكر في شراء نادي مانشستر يونايتد.
استفاد الدوري الإنجليزي الممتاز من العادة الإنجليزية الحديثة المتمثلة في الترحيب بالمال من أي مصدر تقريبا. إذا كان الدوري عبارة عن سوق باهظة الثمن، ومملوك للأجانب وممتلئ بهم أيضا، إذن كثير من اقتصاد المملكة المتحدة هو كذلك أيضا. لكن لا يزال عدم الثقة برأس المال الدولي المنتشر على نطاق واسع في فرنسا أو ألمانيا، ضعيفا في إنجلترا. المالكون الأجانب الذين ينفقون بحرية أتاحوا لفرق متعددة التحدي على الفوز باللقب، وتجنب الرتابة في البطولات الألمانية، والإيطالية، والفرنسية، حيث يحتكر ناد واحد البطولة لفترات طويلة.
لكن تحول كرة القدم الإنجليزية في دوري الدرجة الممتازة إلى بلوتوقراطية معولمة يثير القلق حتما. ظهرت نظرية شائعة مفادها أن المنتخب الإنجليزي فشل بسبب قلة عدد اللاعبين الإنجليز في الدوري الممتاز. وها هو لاعب خط الوسط الإنجليزي ستيفن جيرارد يتحدث قبل أن يفشل الفريق في التأهل إلى بطولة أوروبا عام 2008: "أعتقد أن هناك خطرا سببه قدوم كثير من اللاعبين الأجانب، الأمر الذي سيؤثر في فريقنا الوطني في النهاية - إذا لم يكن يؤثر فيه الآن".
انطلق موسم الدوري الإنجليزي الممتاز في 2007 - 2008 بـ37 في المائة للاعبين الإنجليز في التشكيلات الأساسية. في الموسم الماضي، مثلوا 38 في المائة من وقت اللعب. لكن السؤال هو هل نسبة 37 - 38 في المائة قليلة أم كثيرة؟ إنها تعادل أكثر من 70 لاعبا إنجليزيا في كل يوم مباراة – وهو أكثر من أي جنسية أخرى فيما يعد الآن أفضل دوري في العالم. بينما يحلم الكرواتيون، والبلجيكيون، والبرتغاليون الناجحون جدا بالحصول على 37 - 38 في المائة من الدقائق في أي من الدوريات الكبيرة.
يتعلم لاعبو المنتخب الإنجليزي أفضل الممارسات من خلال التنافس ضد النجوم الأجانب كل أسبوع. كما تتعلم أنديتهم بدورها. فقد أعيد تشكيل أكاديميات الشباب في الدوري الإنجليزي الممتاز، في الأغلب تحت إشراف أجنبي، وفي الوقت الحاضر تنتج لاعبي كرة قدم كثرا من صانعي الألعاب على غرار القارات الأخرى مثل فيل فودين، وبوكايو ساكا، وماسون ماونت.
في الواقع، منذ أن أصبح الدوري الممتاز معروفا دوليا في منتصف التسعينيات تقريبا، تحسن أداء إنجلترا. في حقبة الدوري البريطاني، من عام 1968 حتى عام 1992، وصلت إنجلترا إلى ربع النهائي في البطولات الكبرى أربع مرات خلال 13 محاولة.
في المقابل، في الحقبة "الدولية" من عام 1998 إلى عام 2018، وصلت إلى ربع النهائي خمس مرات خلال 11 محاولة. "استثنيت منها البطولات الثلاث التي كانت إنجلترا تتمتع فيها بأفضلية اللعب على أرضها". لقد بدا أن النزعة الدولية في الدوري الإنجليزي الممتاز أفادت المنتخب الوطني. وبعد بطولات إنجلترا الناجحة في عامي 2018 و2021، تلاشى القلق بشأن اللاعبين الأجانب.
لكن المال كان دائما أكبر مصدر للقلق بشأن الدوري. في أوائل 1995، قال زعيم حزب العمال آنذاك، توني بلير، على مأدبة عشاء للاعبين والمديرين في فندق سافوي في لندن، إن اللعبة الجديدة قد تكون "ملوثة بالجشع". تساءل عما إذا كانت قيمة أي لاعب كرة قدم تساوي سبعة ملايين جنيه كان مانشستر يونايتد قد دفعها أخيرا إلى نيوكاسل مقابل آندي كول. وشجب أيضا ارتفاع أسعار التذاكر.
هذه المخاوف مستمرة إلى يومنا هذا، حيث يمكن أن تصل رسوم الانتقال إلى 100 مليون جنيه بينما تباع أرخص تذكرة موسمية لأرسنال مقابل 891 جنيها. ويتلقى النادي الأخير في الدوري الإنجليزي الممتاز دخلا من التلفزيون أكثر من أي ناد في أوروبا باستثناء ريال مدريد، وأتلتيكو مدريد وبرشلونة. ارتفعت الإيرادات التلفزيونية السنوية لأندية الدرجة الأولى الإنجليزية من 11 مليون جنيه بين عامي 1991 و1992 إلى 2.5 مليار جنيه في الموسم الماضي – وهو ارتفاع يقدر بـ100 ضعف قيمته الحقيقية. تخيل مقدار التغيير الذي قد يحل بأي شخص إذا ما قفز دخله 100 ضعف. ويحذر النقاد من أن كرة القدم الإنجليزية فقدت هويتها، أو ربما روحها. وفي الأحاديث اليومية حول كرة القدم، تبقى "فقاعة" الدوري الإنجليزي الممتاز على وشك الانفجار دائما.
مع ذلك، يبدو أن المشجعين من تاهيتي إلى بيرنلي غير آبهين بذلك ـ على غير المتوقع. بلغ متوسط عدد المتفرجين في جميع الأندية الـ20 في الدوري الإنجليزي الممتاز في موسم 2018 - 2019 أكثر مما كان عليه في موسم 1992 - 1993، وفقا لخبير الاقتصاد الرياضي ستيفان زيمانسكي، وهو المؤلف المشارك معي في كتاب "سوكرنوميكس". ومن بين الأندية الـ78 الموجودة في الأقسام الأربعة الكبرى في كلا الموسمين، كان 64 ناديا تتمتع بحضور أعلى. لقد أدى ارتفاع المد في الدوري الإنجليزي الممتاز إلى رفع جميع القوارب تقريبا.
وفي بعض الأحيان، ينهار ناد صغير بسبب المشكلات المالية، لكن تتم إعادة بناؤه بسرعة مرة أخرى، كما جرى مع أندية بوري وماكيلسفيلد أخيرا. تقريبا كل ناد إنجليزي كان موجودا قبل قرن لا يزال باقيا حتى يومنا هذا.
صحيح أن ارتفاع أسعار التذاكر يستثني عديدا من المشجعين الأكثر فقرا - متوسط التكلفة الآن 32 جنيها لحضور مباراة، وفقا لأرقام الدوري الإنجليزي الممتاز. لكن يجب أن تحذو الأندية حذو المسارح في تخصيص تذاكر مخفضة للعاطلين عن العمل، والمعوقين وموظفي خدمة الصحة الوطنية. ومع ذلك، قبل الدوري الإنجليزي الممتاز، كانت كرة القدم الإنجليزية تمارس نوعا مختلفا من الاستثناء: من خلال مسح للجماهير عام 1992، ستتساءل: أين النساء وأصحاب البشرتين السوداء والبنية؟
على الرغم من أسعار التذاكر اليوم، فإن جميع المقاعد البالغ عددها 60 ألفا في ملعب الإمارات التابع لنادي أرسنال ستكون ممتلئة متى سمحت قيود كوفيد بذلك. وإذا ما عاد أحد مشجعي أرسنال من عام 1992 أو حتى عام 1922 لمشاهدة مباراة السبت ضد فريق برينتفورد، سيجد معظم الأشياء المألوفة لا تزال موجودة: اللعبة، وألوان النادي، وارتباط الجماهير، والطقس الأسبوعي. إلا كرة القدم التي سيجدها أفضل بشكل لا يمكن التعرف فيه عليها.