الرياضة والاستثمار .. الفرص ثمينة
شكلت جميع ضروب وأنواع الرياضة خلال الفترة الأخيرة نافذة واسعة لأنشطة الاقتصاد والاستثمار، وأصبح قطاعا مهما دخله بقوة كثير من المستثمرين المؤثرين في العالم فطرقوا أبواب الأندية العالمية لتحريك واستثمار أموالهم في هذا الجانب. الآن أصبح قطاع الرياضة مصدر دخل هائل في العالم كله، وتجارة كرة القدم حدثت فيها تغيرات كثيرة على مر الزمن خلال الأعوام الماضية ودخلت وتطورت مفاهيم التسويق الرياضي بشكل واسع، واقتحمت الشركات الراعية الكبرى هذا الميدان المربح والمثمر، ما يعكس أن الرياضة تحولت وانتقلت من هواية إلى صناعة تعد من أنجح مجالات الاستثمار، وأكبر دليل على أهمية الرياضة كصناعة للاستثمار تتسابق أقوى دول العالم على تنظيم البطولات الرياضية في أنواع الأنشطة كافة، كل هذه الدول تبحث عن تقوية اقتصاداتها عن طريق مجال الرياضة، وفي عالم اليوم ساد مصطلح أن الرياضة الحقيقية هي المرتبطة بالاستثمار، وعندما يتم الاستثمار فيها بأسلوب صحيح، فإنها تحقق أعلى معدلات الربح.
وعلى هذا الصعيد والمفهوم والتوجه، فإن الاتفاقيات الأربع التي وقعتها "القدية للاستثمار" و"وسط جدة" للتطوير، مع الأندية الرياضية الرئيسة في البلاد، هي جزء أساسي واستثماري في مسار تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 وضمن المحاور المهمة لاستراتيجية التنمية والبناء التاريخية التي تجري في السعودية. وهذه الاتفاقيات الاستراتيجية التي شملت أندية الهلال والنصر والاتحاد والأهلي، وبلغت قيمتها ثمانية مليارات ريال على مدى 20 عاما، بواقع 100 مليون ريال سنويا لكل ناد. تدخل في الواقع في عمق عملية التطوير الذي يشمل هذا الجانب الحيوي المهم، وذلك بعد عدة أعوام من تحقيق الساحة الرياضية السعودية قفزات نوعية على صعيد تنوع الرياضات ونشرها بشكل أوسع على الساحة الاجتماعية، وتوفير فرص العمل والتوظيف فيها، والاستفادة من البنى التحتية من ملاعب رياضية والإمكانات الكبرى لدعم الرياضة بكل أنواعها، واحتلال المملكة مكانتها اللائقة إقليميا وعالميا في هذه الساحة.
البرامج التي تشملها الاتفاقيات واسعة، وهي تأتي أيضا ضمن استراتيجية أساسية تستهدف دعم الأندية، للوصول إلى كل المستهدفات الخاصة بها وبـ"رؤية المملكة". فعلى سبيل المثال، ارتفع مستوى الحوكمة في الأندية خلال العامين الماضيين إلى 54 في المائة، وهذا مؤشر مهم للغاية، لأنه يدعم في النهاية مسار التنمية الرياضية عموما. والقطاع الرياضي حقق زيادة في نسبة المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي بلغت 6.5 مليار ريال، ما يعزز الاستدامة المالية لهذا القطاع.
وفي العام الماضي، وصل عدد الوظائف في الأندية كلها إلى 3097 وظيفة بزيادة 129 في المائة عن العام الذي سبقه، فضلا عن زيادة الألعاب المختلفة 755 في المائة في الأندية المتفاعلة في الفترة المشار إليها. أي ما يجري في المملكة على الصعيد الرياضي، ليس إلا توجه ينسجم تماما مع الاستراتيجية الشاملة الأعم الممثلة في رؤية المملكة 2030. دون أن ننسى، أن من أبرز التحولات في هذه الساحة، إنشاء وزارة مستقلة تعنى بالرياضة، بدلا من "الهيئة العامة للرياضة".
النقطة الأهم في الحراك الرياضي السعودي العام باستثماراته وتنوعه ونشاطاته ومقدراته واتفاقاته، أن السعودية من خلال خططها ركزت على الرياضة كصناعة تسهم تلقائيا في الناتج المحلي الإجمالي، وهذا ما رفع من وتيرة الاستثمارات في القطاع "أندية واتحادات" وزاد بالطبع من فرص العمل، وطرح مشاريع على مستوى عالمي. يضاف إلى ذلك، أن التوجه السعودي العام، رفع من مستوى الأفكار والابتكارات التي تخص قطاعا يأخذ مكانه شيئا فشيئا ليس فقط ضمن ساحات التنمية الشاملة، بل في الثقافة المحلية كلها. وهذا أيضا أحد مستهدفات "الرؤية" الشاملة. فالمسألة ترتبط أيضا بجانب يهم كل شرائح المجتمع، ويخضع للتطوير ولضخ مزيد من الأفكار والمساهمات والمبادرات فيه.
الاتفاقيات الأربع المتميزة ذات المليارات الثمانية، ستفتح بالتأكيد آفاق الاستثمار، مع إيجاد مزيد من الفرص التجارية والاقتصادية لجميع الأطراف، لأنها تستند إلى مخطط متكامل بكل عناصره وأدواته، وإلى رؤى تنسجم مباشرة بمسار التنمية الشاملة. مع ضرورة الإشارة إلى أن اتفاقيات كهذه ستسهم في رفع مستوى الزوار المحليين والدوليين للبلاد، جنبا إلى جنب النشاطات والمناسبات الفنية والإبداعية والترفيهية التي تجري في المملكة ضمن مخططات التحول الشامل فيها.
والرعاية من هذا النوع ليست سوى كيان مستقل يقدم مبلغا ماليا للترويج في حدث معين وفي وقت معين، مع إبقاء المشاركة في المسؤولية هي الأساس. ومثل هذا النوع من الشراكات يعمق في الواقع العلاقة الاستراتيجية بين الطرفين أو الأطراف المعنية.
إنها في النهاية اتفاقيات شراكة أساسية لكل أطرافها، تشمل الترويج والتسويق والأعمال التجارية ذات الصلة، تعزز في الوقت نفسه مكانة الأندية الرياضية على الساحة الدولية، خصوصا أن أندية المملكة تتمتع بإرث رياضي إقليمي ودولي عالي المستوى. اتفاقيات الشراكة هذه تبقى أداة أساسية لدعم حصة الرياضة عموما من الناتج المحلي الإجمالي، ومن تأثيرها الاجتماعي محليا، ومن حضورها العالمي المتصاعد.