سباق الشركات .. الأمريكية في الصدارة والأوروبية في المسار البطيء

سباق الشركات .. الأمريكية في الصدارة والأوروبية في المسار البطيء
خلال الفترة 2020 ـ 2021 ارتفع مؤشر إس آند بي 500 للأسهم الأمريكية 46 في المائة، مقابل 16 في المائة لمؤشر ستوكس 600 الأوروبي.

السوق الأوروبية الموحدة المشرذمة تشبه مضمارا مليئا بالحواجز، ما يجعل الشركات في المنطقة تتخلف في السباق العالمي من أجل النمو.
الفشل في تنسيق القواعد داخل الكتلة التجارية سمح للشركات الأمريكية باحتلال مركز الصدارة في حصص النمو، كما يقول بعض كبار الصناعيين في القارة، مشيرين إلى أن خليط اللوائح التنظيمية يخنق الابتكار والتوسع.
قال كارل هنريك سفانبرج، رئيس مؤتمر المائدة المستديرة الأوروبي للصناعة المؤثر ـ مقره بروكسل ـ الذي يجمع قادة أكبر 60 شركة صناعية وتكنولوجية في القارة: "هناك كثير من العواقب والحواجز التي تجعل النمو صعبا".
أشار سفانبرج إلى أن الاقتصاد الأمريكي نما بشكل أقوى بكثير من أوروبا في الأعوام العشرة بين 2008 و2018. اقترب النمو الحقيقي التراكمي للولايات المتحدة خلال هذه الفترة من 19 في المائة، مقابل 11.4 في المائة للاتحاد الأوروبي، بما في ذلك المملكة المتحدة. أضاف سفانبرج الذي يشغل أيضا منصب رئيس شركة أيه بي فولفو السويدية وقاد شركات أوروبية عملاقة مثل إركسون وبي بي: "إن الثمن الذي ندفعه لعدم تحقيقنا ذلك النمو ضخم".
تأتي تعليقات سفانبرج في مقابلة مع «فاينانشيال تايمز»، في وقت تتشارك فيه أوروبا صندوقا للتعافي بعد كوفيد - 19 قيمته 750 مليار يورو بهدف دفع التحول الرقمي والأخضر في الاتحاد الأوروبي. لكن قادة الشركات قلقون من أن الفشل في التنسيق التام للقواعد التنظيمية في مجالات مثل الخدمات الرقمية وأسواق المال والطاقة يعيق الشركات الأوروبية.
يبدو أن مشكلات المنطقة تفاقمت خلال الجائحة، عندما وصلت 16 شركة أوروبية فقط، منها أربع شركات من المملكة المتحدة وسويسرا، إلى قائمة أفضل 100 شركة عالمية من حيث نمو القيمة السوقية في عامي 2020 و2021.
في المقابل، قدمت الولايات المتحدة 58 شركة. وخلال الفترة نفسها، ارتفع مؤشر إس آند بي 500 46 في المائة، مقابل 16 في المائة فقط لمؤشر ستوكس 600 الأوروبي. ولا تزال الفجوة قائمة، على الرغم من أنه في عام 2022 أخذ المستثمرون ينسحبون من الأسهم التكنولوجية التي دفعت تقييمات الولايات المتحدة.
قال مارتن برودرمولر، الرئيس التنفيذي لمجموعة BASF الأوروبية للكيماويات: "إننا بطيئون للغاية، ومعقدون للغاية. يمكن توسيع نطاق حلول خفض الكربون والتكنولوجيات المتقدمة رقميا بشكل أسرع بكثير من قبل الشركات، إذا لم تكن تواجه حواجز وطنية، وإجراءات الترخيص الطويلة، والسياسات المتشظية في مختلف البلدان الأعضاء".
لطالما تأخرت الشركات الأوروبية عن ركب منافساتها في الولايات المتحدة، حيث يمكن للشركات التوسع بشكل أسرع بكثير بسبب وجود سوق موحدة تضم 330 مليون مستهلك يتشاركون اللغة نفسها، والأنظمة المنسقة وأسواق المال الأكثر عمقا.
وجد تحليل أجرته نيو فاينانشيال، وهي مؤسسة فكرية لأسواق رأس المال، أن أسواق رأس المال في جميع أنحاء بلدان الاتحاد الأوروبي الأعضاء الـ27 أصغر، في المتوسط، بمقدار النصف بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي الموجود في المملكة المتحدة، التي تعد بدورها متطورة بمقدار النصف مقابل الولايات المتحدة.
لكن أندريه كوتنر، الرئيس المشارك العالمي للأسهم في شركة دي دبليو إس الألمانية، قال إن أوروبا عانت ضربة مزدوجة من الجائحة. تمثلت، أولا، في افتقارها لشركات التكنولوجيا العالمية العملاقة ذات النمو السريع. فقد كانت الشركات، مثل أبل، وأمازون، وفيسبوك، وجوجل قادرة على استغلال التحول إلى الاستهلاك عبر الإنترنت الذي أتى مع عمليات الإغلاق العالمية.
ثانيا، قال كوتنر: "عالجت أوروبا جائحة كوفيد بشكل أكثر شدة من البلدان الأخرى، لذلك كانت الشركات أكثر تضررا. أما في الولايات المتحدة، فكانت هناك قيود أقل".
كان هناك أيضا اختلاف في سرعة الدعم الحكومي وحجمه، وفقا لجورما أوليلا، الرئيس السابق لكل من شركة رويال دتش شل وشركة نوكيا، والآن عضو مجلس إدارة بنك بيريلا فينبرج بارتنرز الاستثماري. قال: "كان للسياسات المالية والنقدية التوسعية أثر في أوروبا، لكن أثرها في الولايات المتحدة كان أكبر". وكانت التدابير التي اتخذت في الولايات المتحدة "أكثر حدة من التي في أوروبا. وبدأت الولايات المتحدة في وقت أبكر".
ويتأكد هذا الاختلاف عبر التوسع الأكبر كثيرا في الميزانية العمومية للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي مقارنة بالبنك المركزي الأوروبي في الأشهر الأولى من الجائحة. بحلول نهاية آذار (مارس) عام 2020، وقع دونالد ترمب، رئيس الولايات المتحدة آنذاك، على مشروع قانون يخصص 2.3 تريليون دولار على شكل تدابير طارئة لمساعدة الأفراد والشركات والاقتصاد الأوسع، وهو ما يعادل نحو 11 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
قال سايمون فريكلي، الرئيس التنفيذي لشركة أليكس بارتنرز الاستشارية في نيويورك، إن الدعم الأوروبي تم تنظيمه أيضا بطريقة لا تدعم التنافسية. أضاف: "في الولايات المتحدة دعمت البرامج الفيدرالية الموظف بشكل مباشر بينما في أوروبا دعمت صاحب العمل، لحماية التوظيف. لم يكن هناك حافز لأصحاب العمل لتقليص القوى العاملة. لذلك اجتازت الشركات الأمريكية العقبات أسرع من أوروبا".
تؤكد البيانات الواردة من شركة ريفينتف وجهة النظر هذه، حيث تجاوزت الأرباح المجمعة في مؤشر إس آند بي 500 مستويات أوائل عام 2019 بحلول الربع الثالث من عام 2020، في حين استغرق الأمر شركات مؤشر ستكوكس 600 الأوروبي حتى الربع الأول من العام الماضي لكي تتعافى.
لكن تجربة الجائحة لا تعني أن الشركات الأوروبية أسوأ من منافساتها الأمريكية، كما أصر درو ديكسون، كبير مسؤولي الاستثمار في صندوق ألبرت بريدج كابيتال، الذي يوجد مقره في لندن.
ولا يشير افتقار أوروبا إلى شركات التكنولوجيا العالمية الكبرى، إلى أن هناك شيئا فاسدا في حالة الأعمال الأوروبية. بدلا من ذلك، هذا ببساطة "حصيلة التاريخ والمصادفة" – هجرة عباقرة التكنولوجيا منذ عقود إلى وادي السيليكون وليس "شيكاغو، أو نيويورك، أو ناشفيل أو أوستين".
قال: "إنه ليس بالأمر الأمريكي. لديك أربع من أكبر الشركات في العالم على بعد 40 ميلا من بعضها بعضا. هناك تجمع".
جادل ديسكون بأن الشركات الأوروبية تتمتع بقدرة تنافسية عالية في القطاعات الأخرى. قال: "إذا كانت هناك شركة بوينج، فهناك شركة إيرباص. هناك جي إم، وهنا فولكسفاجن. شركة ساوث ويست، شركة رايان إير. بمجرد دخولك إلى القطاعات الأخرى لا يوجد فائز واضح. هذه الحجة القائلة إن هناك شيئا ما أفضل في الولايات المتحدة خاطئة، باستثناء التكنولوجيا".
يتفق دانيال جروسفينور، مدير استراتيجية الأسهم في شركة أكسفورد إيكونوميكس، على أن هناك خطرا يتمثل في التشاؤم المفرط بشأن الشركات الأوروبية. "لم تقم الشركات بأداء سيئ من حيث القيمة المطلقة. عادت هوامش الربح الأوروبية إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق. لا يتعلق الأمر بأنهم عانوا جائحة سيئة، فقط أنهم قاموا بأداء أقل من نظرائهم في الولايات المتحدة".
جادل ديكسون بأن ضعف الأداء كان مدفوعا بشكل جزئي من قبل هوس المستثمرين العالميين بأسهم التكنولوجيا ذات النمو السريع التي تهيمن على المؤشرات في الولايات المتحدة. بينما تندفع أوروبا، نحو أسهم القيمة، أو الشركات التي تشير أرباحها أو قيمتها الدفترية إلى استحقاق سعر أعلى للسهم.
لكن افتقار أوروبا لشركات التكنولوجيا العالمية الكبرى لا يزال يمثل نقطة ضعف في عالم متصل بشكل متزايد، كما قال جيمس واتسون، مدير الاقتصاد في مجموعة الضغط "بيزنيس أوروبا". قال: "مكمن القلق هو أننا لسنا في المجالات التي نتوقع فيها أرباحا في المستقبل".
هناك دلائل على أن هذا قد يتغير. في العام الماضي، اجتذب قطاع التكنولوجيا في أوروبا استثمارات بقيمة 100 مليار دولار، نحو ثلاثة أضعاف المستوى المسجل في عام 2020. وفقا لتقرير شركة أتوميكو لحالة التكنولوجيا الأوروبية، أضاف القطاع تريليون دولار في القيمة على مدار ثمانية أشهر فقط بإجمالي ثلاثة تريليونات دولار العام الماضي، وتتفوق عائدات رأس المال الاستثماري في أوروبا على الولايات المتحدة. لكن لا تزال هناك فجوة كبيرة.
لذا، السؤال هو ما إذا كان يمكن تسريع الوتيرة بينما تستعد الحكومات الأوروبية لإنفاق نحو ثلث صندوق التعافي البالغ 750 مليار يورو على التحول الرقمي.
بالنسبة إلى سفانبرج، لا يمكن أن يحدث هذا إلا إذا تمت معالجة المعوقات التي تعترض السوق الموحدة. مثلا: "ليست لدينا سوق موحدة لشبكات الجيل الخامس في أوروبا. هذا يجعل من الصعب على الشركات الرقمية أن تنمو. علينا أن نحقق نجاحا رقميا، وإلا فلن نتمكن من تحقيق التحول الأخضر".
ليست الشركات الكبرى وحدها هي التي تقلق بشأن مجال النمو إذا فشلت أوروبا في إنشاء سوق موحدة شاملة. قال بن باتيرز، الرئيس التنفيذي ليوروتشامبرز، التي تمثل أكثر من 20 مليون شركة، معظمها من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم: "لا يزال كثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم لا تعد أوروبا سوقا محلية".
"هناك كثير من الحواجز التي تمنع الشركات من الاستفادة من السوق الموحدة. عندما يحدث ذلك، نأمل أن يكون لدينا كثير من الأسماء على قائمة القادة تلك".

الأكثر قراءة