رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


موجة الأسعار وثقة المستهلك

لم تكن زيادات أسعار معظم العلامات التجارية الاستهلاكية طبيعية على الإطلاق، فقد بلغت الزيادة في الأسعار خلال عام واحد فقط ما تم رفعه خلال أربعة أعوام، وهذا أمر أسهم بصورة كبيرة في رفع مستوى الضغوط على الأسر في الولايات المتحدة، التي تعاني أصلا أعلى معدلات للتضخم منذ أكثر من أربعة عقود. صحيح أن المؤسسات الاستهلاكية ذاقت ضغوط التضخم، لكنها أسرعت إلى ترحيل التكلفة الجديدة إلى المستهلكين.
المشكلة أن الأمريكيين الذين تمتعوا بصورة أو بأخرى بارتفاع الأجور والمدخرات، واصلوا قدرتهم على الإنفاق، إلا أن آفة التضخم التي لا تزال تسيطر على المشهد المحلي وجانب كبير من المشهد العالمي أنهت هذه القدرات، بينما يتطلع الأمريكيون إلى "الفيدرالي الأمريكي" لطرح مخططاته من أجل الحد من التضخم. ومن حق المؤسسات الاستهلاكية وغيرها رفع أسعارها بما يتناسب مع زيادة تكاليف إنتاجها أو خدماتها، فهذه المؤسسات عانت ولا تزال ارتفاع تكاليف العمالة والشحن واضطراب سلاسل التوريد، بسبب جائحة كورونا. لكن زيادات الأسعار الأخيرة لم تكن منطقية في نظر كثير من الاقتصاديين، لأنها حملت المستهلك كل التكاليف الاستثنائية غير المتوقعة قبل كورونا.
هذه التطورات، تأتي في ظل حالة من الإرباك في رسم السياسة المالية خلال العام الحالي، فالعالم ينتظر الشهر المقبل خطة "الاحتياطي المركزي الأمريكي" في رفع نادر للفائدة، إلا أن المؤشرات كلها تدل على أن هذا العلاج لن يكون كافيا للسيطرة على التضخم، فما بالك بخفضه إلى الحدود الصحية، التي يمكن للمواطن الأمريكي تحملها، دون ضغوط؟ ولا يمكن السيطرة على موجة رفع الأسعار من جانب المؤسسات والشركات الاستهلاكية وغيرها، فحتى السيارات الجديدة زادت أسعارها بحيث انتعشت سوق السيارات المستعملة في كل البر الأمريكي، فضلا عن أن المنتجات الأخرى زادت الأهمية لأي أسرة في الولايات المحتدة وغيرها.
أمام هذه الحالة، تشير المؤشرات الراهنة إلى أن ثقة المستهلك بالسياسات الاقتصادية للإدارة الأمريكية بلغت أدنى مستوى لها خلال أكثر من عقد، بما في ذلك استطلاع لافت أجرته جامعة ميشيجان، أظهر أن نصف المستهلكين الأمريكيين المشاركين في الاستطلاع توقعوا انخفاضا في الدخل المعدل حسب التضخم في العام الجاري. وهذا يؤكد أن مهمة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لن تكون سهلة في استعادة ثقة المستهلك في غضون العامين المقبلين على الأقل، على الرغم من برامج الدعم الشعبية التي اعتمدها منذ وصوله إلى البيت الأبيض.
رفع أسعار منتجات الشركات الاستهلاكية، ومطاعم الوجبات السريعة، زاد من قوة التوقعات بأن تسجل أرباحا صافية للعام الحالي تزيد على 12 في المائة، مقارنة بمتوسط خمسة أعوام يبلغ 10.5 في المائة. وبطريقة مباشرة سترفع أيضا الشركات المساندة كتلك التي تنتج الورق والمشروبات الغازية وغير ذلك أسعارها أكثر هذا العام، للسبب المعروف للجميع، وهو اضطراب سلاسل التوريد بما في ذلك توريد المواد الصناعية الأولية، ما يرفع الضغوط أيضا على الحكومة الأمريكية خلال معركتها مع التضخم، ويطرح السؤال التقليدي المعروف أيضا وهو، هل ستتكمن آلية رفع الفائدة بحدود متواضعة من تحقيق الهدف المأمول؟
نعلم أن "المركزي الأمريكي" أمامه هدف أساسي أيضا، وهو المحافظة على النمو بعد فترة من الانكماش، ولا أحد يتمنى أن يتذكرها بسبب الجائحة، ولذلك فإن العام الجاري سيشهد مزيدا من الضغوط على المستهلكين وعلى واضعي السياسات الاقتصادية في آن معا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي