مستعمر يحمي البشر
من أكبر التحديات التي تواجه البشرية اليوم التخلص من الكربون الذي يسبب عديدا من المشكلات الصحية والبيئية، لذا حرص الباحثون على إيجاد عديد من السبل التي تساعد على إزالة الكربون وهداهم تفكيرهم إلى تقنية بعيدة عن الأنظار وغير محتفى بها هناك في أعماق البحار.
حيث تحتل الأعشاب البحرية مساحة 0.1 في المائة من قاع البحر لكنها تزيل ثلث كمية الكربون التي يتم عزلها في قاع البحر سنويا. إنها ليست أعشابا بحرية عادية ومع ذلك، لم نكن نعرف عنها. سوى أنها نباتات مزهرة تكيفت مع بيئتها واستعمرت المحيط ولم يكن أحد يعرف طبيعة ومدى روعة التكيف التي أهلت تلك الأعشاب للقيام بهذا العمل الفذ.
قبل سبعة أعوام فقط تمكن العلماء من فك شفرة تسلسل الجينوم الأول لأعشاب البحر وفهموا لماذا فقط 17 نوعا من 300 ألف نوع هي التي تمكنت من غزو المحيط، وأذهلتهم إمكانياتها وتمكنوا من معرفة كيف يستغلونه في مصلحة البشر.
وتستنسخ تلك النباتات نفسها وتمتد إلى ما مقداره خمسة أمتار سنويا وتتفرع على طول المحيط ومن أشهر الأماكن التي تحتلها تلك النباتات المرج الذي يمتد على طول 800 كيلومتر مربع من البحر الأبيض المتوسط خارج جزيرة إيبيزا الإسبانية والأغرب أنهم اكتشفوا أن البذرة الأولى لهذه النباتات نبتت في قاع البحر منذ نحو 200 عام، وما يهمنا هنا أن هذا المرج يعد بطل عزل الكربون في محيطه الحيوي، حيث يقوم هكتار واحد من هذه الأعشاب البحرية باحتجاز قدر من الكربون يصل إلى 15 هكتارا من غابات الأمازون البكر.
والطريقة التي تعزل بها هذه النباتات الكربون عجيبة، إذ تعد من بين أكثر النظم البيئية إنتاجية على الأرض حيث تضخ ثاني أكسيد الكربون بمعدلات مذهلة، مخلفة كثيرا من الكربون، الذي يتم عزل أغلبه في التربة على هيئة جذور والجذور يصعب تحللها وانطلاقها مرة أخرى من التربة بسبب عدم وجود الأكسجين، ما يبطئ عملية التحلل الميكروبي ويبقى الكربون حبيسا في الأعماق.
وهذه الشعاب لا تحمينا من الانبعاث الكربوني فقط، بل تحمي الشواطئ وبنيتنا التحتية وممتلكاتنا وحياتنا، إنها تشكل خط الدفاع الأول عن الشواطئ، لذا يبذل العلماء جهدا كبيرا في معرفة وجودها بمساعدة كائنات قادرة على الغوص أفضل من البشر، لذلك استعانوا بالسلاحف الخضراء وأسماك قرش النمر وزودوها بكاميرات وتابعوها بالأقمار الاصطناعية لتدلهم على تلك الشعب، فسبحان الذي سخر لنا هذا.