رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


فضاء تجاري وهواجس أمنية

رغم أن هناك تعاونا دوليا في الفضاء عموما، إلا أن التسابق فيه قد يخل بهذا المسار، فالخلافات السياسية، والاقتصادية، بين القوى المتقدمة في مجال الفضاء، لا تزال تؤثر في الساحة بشكل كبير.
الميدان الفضائي لم يعد في الواقع حكرا على مؤسسات الفضاء والبحث الممولة من الحكومات، خصوصا في الدول الغربية، فالساحة تتحول شيئا فشيئا إلى ميدان تجاري استثماري سياحي خدماتي، وبالتالي تدخل الشركات من كل الجنسيات تقريبا في هذا المجال.
وحتى الدول التي لا تمتلك قاعدة تؤهلها لإطلاق قوتها الفضائية الذاتية المأمولة، تدخل هذا الفضاء عبر شراكات متعددة، وترصد حصصا من موازناتها العامة لهذا القطاع الذي أصبح محوريا بسرعة البرق، مع التقدم العلمي والتكنولوجي. لكن هناك محاذير تراها الجهات المسؤولة في الاتحاد الأوروبي، تحديدا من جهة الاعتماد على الشركات الأجنبية، فبعض الشركات التي تعمل في مجال الخدمات الإلكترونية، والاتصالات، والإنترنت، عامة، تمثل تهديدا مستقبليا على الساحة الأوروبية، كما يرى المسؤولون الأوروبيون.
ولا تزال قضية شركة هواوي الصينية حاضرة على الساحتين الأوروبية والأمريكية، بعد أن وجد المسؤولون على ضفتي الأطلسي أن المخاطر في التعاقد مع هذه الشركة أكبر بكثير من الفوائد المأمولة منها، بما في ذلك انخفاض التكاليف مقارنة بغيرها من الشركات الغربية الأخرى. والمخاوف الأوروبية مفهومة، لأنها تأتي من قدرة الشركات المعنية على التلاعب بالبيانات، بل الاستفادة منها عبر بيعها أو مشاركتها مع جهات أخرى، علاوة على إمكانية وصولها إلى مناطق إلكترونية حساسة تتعلق بالأمن القومي لهذه الدولة أو تلك.
ولأن الأمر كذلك، ولا سيما مع ارتفاع حدة التوتر السياسي والتجاري بين الغرب وعدد من دول الشرق وعلى رأسها الصين، كان على كتلة كبرى كالاتحاد الأوروبي أن تتقدم بحلول سريعة، وهذه الحلول تكمن في ضخ استثمارات تبلغ مبدئيا نحو ستة مليارات يورو للاتصالات الفضائية، في إطار برنامج لخفض اعتماد الاتحاد على الشركات الأجنبية، وحماية خدمات الاتصالات الرئيسة، وبيانات الرصد، من أي تدخل خارجي.
هذه الخطوة تأتي في ظل احتدام السباق في الفضاء بالفعل، من خلال تحديثات تكنولوجية وعسكرية أيضا من الجانبين الروسي والصيني، بشكل أساس، وموجة متصاعدة لا تتوقف من إطلاق الأقمار الاصطناعية، فهناك مخططات من شركات كبرى مثل "سبيس إكس" التابعة لإيلون ماسك، تتضمن إطلاق آلاف الأقمار الاصطناعية، لتحسين جودة الاتصالات، وتقديم الخدمات تجاريا. الأوروبيون متقدمون بالطبع في المجال الفضائي، إلا أنهم في الأعوام الماضية اعتمدوا على ما تطرحه السوق من فرص قليلة التكلفة في هذا المجال، بمعنى آخر باتوا كغيرهم يبحثون عن الشركات التي توفر خدماتها بأقل التكاليف، لكن الأمر لا يختص فقط بالجانب التجاري، فهناك جوانب أمنية وعسكرية لا يمكن الاستهانة بها، لأنها تدخل ضمن نطاق الأمن القومي.
لا شك في أن البرنامج الأوروبي لن يتوقف عند هذه الحدود المالية، فالسباق الفضائي يتطور بسرعة شديدة، ويتطلب دائما تحديثات مكلفة، إلى جانب مخاطر لا بد من مواجهتها على صعيد فوضى النفايات الفضائية التي باتت تشكل خطرا على الأقمار الاصطناعية الهائمة في فضاء الأرض. لكن تبقى الجوانب الأمنية الأهم في هذا الوقت بالذات، حيث يتزايد هذا الهاجس في ظل التوتر الذي بلغ أخيرا ذروته مع إمكانية غزو روسي لأوكرانيا.
وفي المجمل، سيدعم البرنامج الأوروبي التوجهات الجديدة في مجال الأمن الإلكتروني، ومن الواضح أن الجهات المسؤولة لن تخاطر أبدا بفتح بياناتها ومعلوماتها أمام شركات أجنبية لا تسيطر عليها، وتخشى أن تدخل في نفق تحديات مستمرة لن تغلق بسهولة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي