البحث عن علا .. عندما تمتزج مأساة الطلاق مع ملهاة الزواج

علا عبدالصبور، امرأة تجسد ظاهرة اجتماعية، شكلت كابوسا صادما لدى عديد من الفتيات اللواتي يعتبرن الزواج هو الهدف الرئيس في حياتهن، ويساعد المجتمع بتقاليده وعاداته على إنماء هذه الفكرة في العقول والنفوس، لتصبح النساء في عمر عشريني شغلهن الشاغل هو البحث عن عريس وتأسيس عائلة.
في 2010 كانت علا عبدالصبور هي النموذج الحقيقي لصورة "العروس" النمطية في مسلسل "عايزة أتجوز"، تهرول قبل أن يصل قطارها إلى الـ30، ليس إيمانا منها بأهمية الزواج، بل إرضاء للمجتمع والأهل الذين يضغطون، فيدفعونها إلى القبول بأول عريس يطرق بابها.
بصمة كوميدية
ترك مسلسل "عايزة أتجوز" بصمة دامغة في عالم الكوميديا المصرية، بأحداثه المشوقة للكاتبة غادة عبدالعال، التي كتبت "كيف تصطادين عريسا"، تستعرض فيه قضية جريئة بأسلوب ساخر وفكاهي، هي قضية تأخر الزواج والعنوسة، وتسلط الكاتبة الضوء على وضع المرأة في العالم العربي عموما بطريقة ساخرة تجعل القارئ يضحك من الواقع المرير، كما تناول أيضا موقف الرجال الغريب والغرور ناحية النساء، وكيف أن كل واحد منهم يرغب في الارتباط بواحدة تجمع كل الصفات، كالغنى والأخلاق والعلم، والجمال، والحسب والنسب.
أخيرا تزوجت
ها هي علا تحقق رغبة المجتمع بزواجها من هشام، يؤدي دوره هاني عادل، قبل سن الـ30، وانتهت القصة 2010، لتستأنف الكاتبة غادة عبدالعال - بالتعاون مع مها الوزير وإخراج هادي الباجوري - قصة علا في 2022 في مسلسل "البحث عن علا"، الذي أطلقت "نتفليكس" حلقاته الست في بداية فبراير، وتدور أحداثه بعد 12 عاما من المسلسل الأول، لكنه لا يرتبط به بطريقة مباشرة، فنشاهده على أنه مسلسل منفصل ونفهم الحبكة المجتمعية من دون أي ضرورة للعودة إلى 2010.
الزوجة المطيعة
لدى علا التي أصبحت امرأة أربعينية، فتاة تبلغ 12 عاما وولد يبلغ ثمانية أعوام، كانت الزوجة المطيعة لهشام، تركت عملها وتفرغت لعائلتها، شغلها الشاغل كان زوجها وأولادها ومتطلباتهم اليومية، ابتعدت عن صديقاتها وأصبحت الأم والزوجة المثالية، لكنها مختلفة عن علا الموجودة في "عايزة أتجوز"، فهي هنا تنتمي إلى طبقة اجتماعية أكثر رخاء.
الطلاق ونهاية العالم
تبدأ مشكلتها عندما يطلب منها هشام الطلاق، فينهار عالمها وتنهار عائلتها التي قضت أعواما في بنائها، تكتشف أنها أضاعت كثيرا من حياتها في سبيل الآخرين، وتبدأ المشاهد الدرامية في التوارد مع الحفاظ على النكهة الكوميدية والبصمة الدامغة لعلا عبدالصبور، وهي التواطؤ مع المشاهد ومحاكاته بأخبار لا تسمعها بقية الشخصيات، ما أدخل الفكاهة إلى المسلسل وأبرز براعتها في التنقل بين الجدية والهزلية.
بين العنوسة والطلاق
بعد أن كانت العنوسة هي ثيمة مسلسل 2010 أصبح الطلاق هو الدراما التشويقية لـ2022، وما يجلبه من أزمات للمطلقين والعائلة بشكل عام، فضلا عن أزمات منتصف العمر التي يمر بها جميع الأفراد، ويسلط المسلسل الضوء على هفوات المرأة الأربعينية وتصابيها، فهي تبدأ بالبحث عن رجال يصغرونها سنا، تلبس الملابس الرياضية وتذهب لوضع وشم على كتفها، وترتاد مقاهي المراهقين، وهو ما يطلق عليه "جهلة الأربعين".
تساوي المرأة والرجل
أنصف المسلسل بين الرجل والمرأة، فهي ليست الوحيدة التي تقوم بهذه الأمور، بل زوجها هشام تصابى أيضا وارتبط بفتاة من جيل ابنته، ويحاول العيش معها بفرح، بعد أن أصابته أزمة قلبية في الـ45، واتهم علا بأنها المسبب الوحيد لتلك الأزمة، بسبب تقصيرها في إسعاد عائلتها.
اهتمام الذات
علا هي المرأة المثالية، لكنها كحال معظم النساء اللواتي يغفلن العنصر الأهم في العلاقة الأسرية، وهو التقرب من العائلة وهمومها، والترفيه عنها من وقت إلى آخر، هي تلبي طلبات أولادها لكنها لا تعلم أن ابنتها نباتية ولا تحب اللحمة، هي تهرول وراءهم في المدرسة وتدفع تكاليف الإنترنت وتقدم لهم كل ما يحتاجون، لكنها لا تعلم ما آخر شيء يفعله ابنها قبل النوم، الابن الذي يلعب على الجوال دائما إلى حد الانزواء.
طمس الحقيقة
إنها أفكار واقعية تحصل في كل عائلة، لكن قلما يعترفون بها، فالرجل يلتزم الصمت عندما يرى زوجته تركض ليلا ونهارا أمام متطلبات أولادها، والأولاد يعيشون في عالمهم وينتقلون من الطفولة إلى المراهقة من دون أن تشعر الأم بذلك، وهو ما يتسبب في عديد من المشكلات بين الأزواج أولا، والأولاد ثانيا، عندما يبلغون ويبدأون البحث عن شخص يتكلم معهم ويفهمهم، وليس أما تهرول من أجل الغذاء والمدرسة والمتطلبات الحياتية اليومية.
الأم وسيطرتها
بعد الصدمة تبدأ علا في البحث عن نفسها، وهذه المهمة تختلف بين امرأة أربعينية وامرأة عشرينية، خاصة لعلا التي تخاف من والدتها وتحاول أن تكون الصورة المثالية للفتاة التي ربتها سوسن بدر، في دور سهير، الأم التي رفضت طلاق ابنتها تحت ذريعة "ماذا سيقول المجتمع"، الأم التي انتقلت للعيش معها فورا بعد الطلاق لمساعدتها غير آبهة بإعطاء قسط من الخصوصية والراحة لابنتها لتنهض من كبوة الصدمة، عاشت معها لتذكرها بقيم وأفكار تحاول علا طمسها والتخلص منها.
النجاح في العمل
لكن نضال علا لم يخفت، عادت إلى العمل وفتحت مشروعا مستقلا لكي تنفق على نفسها، تصطدم برجل ثري وسيم متخصص في ريادة الأعمال، يدعى طارق، يؤدي دوره خالد النبوي، يعطيها الدفعة الرئيسة لبدء عملها ويضعها على الطريق الصحيح، تتردد علا في طبيعة علاقتهما وتشك في وجود إعجاب متبادل بينهما، لكن الرجل الساحر يخبرها بأن الأشياء ليست كما تبدو عليه دائما، ثم يختفي مثل جنية مساعدة قامت بواجبها.
علاقة مؤقتة
بعد استقرارها في العمل، تقابل علا شابا وسيما جديدا اسمه آدم، يؤدي دوره عمرو صالح، لكن هذه المرة يوقظ فيها الشجاعة والقوة على ملاحقة أحلامها، وتحقيق قائمة أمنياتها مثل الذهاب في رحلات السفاري أو الحصول على وشم، وركوب دراجة بخارية. يصغر آدم علا بعدة أعوام، وعلى الرغم من تبني المسلسل رؤية تقدمية نحو الفارق في السن، فإنه يتراجع عنها ويمحو أي إمكانية لوجود علاقة بين آدم وعلا، ويختفي هو الآخر بعد القيام بدوره في حياة علا.
وعلى صعيد آخر، كانت الصديقات عنصرا فاعلا في الخلاص من العقد التي في داخلها، ساعدتها نسرين على النهوض والتفكير فيما كانت تخجل منه، شجعتها على الانطلاق، لكنها في بعض اللحظات كانت تكبح هجومها الخاطئ، ذلك الهجوم الذي يقوم به أي إنسان نتيجة رد فعل، غير مدرك لعواقبه.
إذن، عادت علا عبدالصبور في بحثها عن ذاتها، ونجحت في تخطي عديد من المراحل، ورسمت مستقبلها أو ما تبقى من حياتها بخطوط عريضة، ضاربة بتخوف المجتمع وتقاليده البالية عرض الحائط، عادت إلى نفسها واكتشفت ما تحب وسلكت طريقها بقوة وثقة.