علمنا ريان

قصة سقوط طفل في بئر سحيقة نشرت التعاطف في أنحاء العالم. لم يكن هناك من وسيلة إخبارية لم تذكر الخبر وتراقب ما يحدث في المغرب. هناك كان الشعب يتعاطف، وكل من استطاع حضر، ومن لم يفعل حضر بالمشاعر والأحاسيس والتعاطف مع الطفل الذي لا حيلة له في مواجهة مصير مظلم.
ما شاهدناه من تفاعل يدل على أن هناك قواسم مشتركة يمكن أن يتعايش من خلالها البشر، واهتمامات عالمية لا تعكرها الخلافات، ولعل من تابعوا قصة الطفل ريان وتفاعلوا معه أعداء في أحوال أخرى ومواقف مختلفة. هذه النظرة المبتعدة عن الخلاف نحو الاتفاق هي ما يحتاج إليه البشر في تعاملاتهم، ولعل من يتابع ما ينشره علماء النفس ومختصو الاجتماع، يجدون كثيرا مما يمكن أن يصب في هذا الاتجاه.
إلا أن الطفل ريان صنع معجزة بأزمته التي عاشها "وأجزم أن الله - سبحانه وتعالى - ربط على قلبه خلالها". هذه المعجزة بما تحويه من العبر والمفاهيم والنتائج هي ما يجب علينا جميعا أن نتعاون على تعظيمه في تعاملاتنا وتفاعلنا مع الآخرين. ذلك أننا لو وضعنا أنفسنا في موقع الآخر "كما فعلنا مع أهل ريان"، سنكون في حال مختلف وسيختفي كثير من المشاحنات والقضايا والجرائم عن المجتمعات.
لعل الواحد منا يجرب هذا المفهوم داخل مجتمعه الصغير في الأسرة والحي والعمل، لنكون حققنا بعضا من الفوائد التي ترسلها لنا حالة كهذه، وغيرها كثير من التعاطف البشري في الأزمات. إن انتشار مثل هذا الخلق وتعميقه في الأبناء والبنات وكل من حولنا من خلال التطبيق السليم، يمكن أن يحدث تحولات كبرى في المجتمعات. لأن الابتعاد عن الأنانية والتفكير المحدود والنظر إلى الأمور من مقاييس وزوايا جديدة، تغير كثيرا من النتائج وتحقق نجاحات يستفيد منها المجتمع بكليته.
النهاية المأساوية لحادثة سقوط ريان في البئر تؤكد أنه لا مجال لأي منا في الخروج عما كتبه الله له، لكنه يعني في الوقت نفسه أن المحاولة لتحقيق النجاح يجب أن تستمر، فكلما قدمنا من ذواتنا وقدراتنا لتحقيق النجاح، نكون على الطريق الصحيح. قد لا تكون النتائج كما نريد، لكن كل جهد ومحاولة تزيدنا علما ونضوجا وفهما للواقع وسبرا لما يمكن أن يكون. وكما قال توماس أديسون، "نجحت 999 مرة في معرفة طرق لا تؤدي إلى اختراع المصباح الكهربائي".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي