الاقتصاد السعودي وآفاق النمو
أصبح التطور، ومؤشرات النمو، وتقييمات التصنيفات العالمية الإيجابية من المنظمات الدولية، والوكالات الائتمانية، من السمات، والصفات الثابتة في حركة الاقتصاد السعودي خلال الفترة الأخيرة، وهذا يتضح في القفزات النوعية، والأرقام الناطقة التي تحققت في مختلف القطاعات التنموية، والمشاريع التطويرية. ورقميا، حقق الاقتصاد السعودي قفزات نوعية في العام الماضي، رغم كل المؤثرات السلبية لعام 2020 الذي اتفق على تسميته "عام الوباء"، فالاقتصاد العالمي أصيب بانكماش تاريخي لتفشي جائحة كورونا، بفعل الإجراءات الاضطرارية التي اتخذتها الحكومات حول العالم، لحصر الأضرار الصحية لهذه الجائحة.
والاقتصاد السعودي سجل كغيره من الاقتصادات الأخرى انكماشا 4.1 في المائة في 2020، إلا أنه تمكن في 2021 من تحقيق نمو وصل إلى 3.3 في المائة، ما يعزز مسار التعافي الاقتصادي من تلك الجائحة، فضلا عن أن ذلك يشير إلى نجاعة الإجراءات والقيود التي فرضت لتقليل ما أمكن من الأضرار التي أتى بها هذا الوباء الذي لم يتوقع حدوثه أحد. ومن اللافت في وتيرة النمو للاقتصاد السعودي، أنها الأعلى منذ 2015، حيث سجل آنذاك 4.1 في المائة، ورغم كل الآثار السلبية التي تركها الوباء على الساحة الاقتصادية كما الصحية، إلا أن النمو الأخير فاق مستواه عددا من دول "مجموعة العشرين"، فضلا عن دول أوروبية.
والتعافي الذي يشهده هذا الاقتصاد يأتي بعد الانكماش الأكبر منذ 1987، فالمرحلة كانت قصيرة بين انكماش أعقبه تعاف ليأتي بعده نمو، في وقت لم تتضح بعد الصورة النهائية لجائحة كورونا.
الواقع أن هذه المدة القصيرة التي مر بها الاقتصاد بثلاث مراحل، ما كانت لتكون كذلك، لولا التعامل المثالي الحكومي عبر السياسات المتوازنة الواقعية، فالإجراءات التي اتخذت في عام الأزمة استهدفت بالدرجة الأولى حماية المكتسبات الاقتصادية، والمحافظة على تماسكها، بصرف النظر عن أي اعتبارات أو تكاليف.
الحكومة السعودية أسرعت بالطبع منذ المؤشرات الأولى للأزمة الاقتصادية الناجمة عن كورونا إلى تقديم الدعم ليس فقط في الميدان الصحي، بل في الساحة الاقتصادية، الذي شمل القطاع الخاص، الشريك الأول في عملية التنمية والبناء الاقتصادي الكبرى عبر رؤية المملكة العربية السعودية 2030، فمشاريع "الرؤية" أسهمت في مخططات الإنقاذ، أو الدعم الاقتصادي، في شهور الأزمة، ما عزز مسار النمو الاقتصادي بصورة كبيرة، وبشكل عام.
كما دفعت سلامة ونجاح الإجراءات التي اتخذت على الساحة السعودية، صحيا، واقتصاديا، جهات دولية مختصة إلى الإشادة بها، خصوصا بعد أن حققت أهدافها في فترة زمنية تعد قصيرة، ولذلك، كان من الطبيعي أن يخرج اقتصاد البلاد من حال الانكماش، ويبدأ مساره نحو النمو بخطوات ثابتة وأكثر استدامة. ومن النقاط اللافتة في مسار النمو الاقتصادي على الساحة السعودية، الارتفاع المتسارع والقوي لحصة القطاع غير النفطي فيه ومساهمته بقوة في الناتج المحلي، وهذا القطاع حقق نموا كبيرا 6.6 في المائة العام الماضي مقابل انكماش سجل 3.4 في المائة في 2020، مع ضرورة الإشارة إلى أن القطاع النفطي يعود إلى النمو بعد عامين من انكماش 6.7 في المائة.
مشاريع الرؤية دفعت النشاط الاقتصادي المحلي إلى آفاق جديدة، ساعدت على تحقيق النمو العام، والنمو في قطاعات مختلفة في آن معا، ومما لا شك فيه أن القطاع غير النفطي يحقق قفزات مميزة، ففي الربع الأخير من العام الماضي حقق نموا 5 في المائة، في حين سجل القطاع الحكومي نموا في الفصل نفسه 2.4 في المائة.
إن مستويات النمو العامة التي تحققت على مستوى مؤشرات النمو الاقتصادي السعودي، فاقت حتى توقعات جهات دولية مثل صندوق النقد، والبنك الدولي، ما يدعم خطط السياسات الاقتصادية للبلاد التي تستهدف استكمال البناء الاقتصادي بأعلى المعايير، والاستدامة، في ظل سلسلة لا تنتهي من المشاريع والمبادرات لتعزيز المسار التنموي الشامل، وتوفير الأدوات اللازمة له، عبر تشريعات مساندة، ومساعدة، أو أدوات ضرورية.