فصل الأطفال عن آبائهم في السويد .. هل سيؤتي أكله؟
أخيرا شعرت السلطات في السويد أن هناك حملة كبيرة وواسعة في الإعلام ووسائل التواصل الناطقة بلسان الضاد ضد سياساتها وقوانينها التي تسمح لها بفصل الأطفال عن آبائهم تحت ظروف محددة.
وسيبقى يوم الإثنين من هذا الأسبوع في ذاكرة كثيرين في السويد، حيث كان موضوع الأطفال المفصولين عنوة عن والديهم في مقدمة نشرة الأخبار في ساعة الذروة وعلى قناة SVT1 وهي القناة العامة الرئيسة والأكثر تأثيرا ومشاهدة في السويد.
وأتى التقرير بعد أن تم تناول القضية عبر وسائل الإعلام بيد أن موضوع الأطفال الذين تضع السلطات يدها عليهم وتعيلهم خارج كنف آبائهم وأمهاتهم صار بعد مناقشة قضية كبرى تناقش في أعلى المستويات في السويد. وشهدنا في الأيام الثلاثة الماضية سيلا من المقالات في الصحافة الوطنية والمحلية حول موضوع فصل الأطفال الذي يبدو أن السلطات صارت تنظر إليه بجدية ومن خلال موقف قد يستشف منه البعض أن السويد في طريقها لإعادة النظر في الإجراءات العملية التي تلزمها حماية أي طفل أو قاصر يصبح في وضع تكون فيه تنشئته وليست حياته فحسب في خطر.
سنأتي إلى الحالات التي يسمح فيها القانون السويدي للسلطات باتخاذ إجراء مؤلم وقاس مثل هذا، أقول مؤلما وقاسيا لأن فصل فلذات الأكباد عن الآباء والأمهات عقوبة ربما لا عقوبة بعدها، في رسائل مقبلة حول الموضوع ذاته. لكن لنركز في رسالة الأسبوع هذا على التقرير المطول للقناة الإخبارية السويدية حول الموضوع، ونضعه تحت مشرحة التحليل النقدي للخطاب.
في مقال الأسبوع الماضي ربما قد يكون وراء هبة الإعلام في السويد لتناول الموضوع على المستوى الوطني، حاولنا إلقاء الضوء على المشكلة برمتها، ولم نلق اللوم على طرف دون آخر مباشرة.
ولأن المشكلة أخذت بعدا ليس وطنيا فحسب، أي: محصورا في حدود السويد الجغرافية، بل صارت محسوسة على نطاق كبير خصوصا في الإعلامين العربي والإسلامي، أصبح لزاما على السويد أن تدلي بدلوها.
لكن أن تلقي السويد باللائمة على مجاميع إسلامية متطرفة تقول إن لها أجنداتها الخاصة قد تؤججها منظمات إرهابية مثل داعش، فلعمري إن توجها مثل هذا سيزيد طين المعضلة بللا.
من السهولة بمكان اختراع الأعذار والتبريرات وإلقاء المسؤولية على منظمات متطرفة أو إرهابية تقف وراء الحملة المنهجية والشاملة لتشويه سمعة السويد، حسب وصف قناة SVT1 السويدية الشهيرة.
لكن لم أكن أتوقع من دولة مثل السويد تتربع على عرش الرقي والتمدن في العالم أن تلجأ إلى هكذا خطاب لتبرير إجراءات أحدثت ولا تزال كربا وألما يرقى إلى الفاجعة في عشرات الآلاف من العائلات أغلبها ذات أصول شرق أوسطية. أما أن تنكر السويد ما يتم بثه في الإعلام العربي وفضائه الافتراضي من صور وفيديوهات لا يمكن التحقق منها، فهذا لعمري أمر نفهمه. الإعلام العربي خصوصا الرقمي والاجتماعي منه، بالطبع شأنه شأن الفضاء الافتراضي في الغرب، يفتقر إلى المصداقية.
ومن هنا جرى تجيش للمشاعر في الدول العربية والإسلامية وامتطت الموجة مواقع ومنصات ذات توجهات شتى ومنها من له نحو 17 مليونا من المتابعين، هذا حسب ما جاء في التقرير الإخباري للقناة السويدية.
أنا قرأت القوانين المرعية بخصوص حماية الأطفال والقاصرين في السويد. في الحقيقة لا غبار عليها، بيد أن هناك خللا في التطبيق، وهذا ما أشار إليه بعض الأساتذة الجامعيين في السويد المختصين بعلم نفس الطفل، وهو اختصاص كبير في السويد، حيث أشادوا بالقانون لكنهم دعوا صراحة إلى مراجعة الإجراءات التي تتخذها السلطات لتطبيقه.
ومن ثم، كان هناك سكوت مطبق تقريبا من السلطات حول هذه المسألة التي ليست وليدة اليوم. في تقرير القناة السويدية، تحدث وأظن لأول مرة مسؤول كبير ويا ليته لم يتحدث.
هذا المسؤول رمى الكرة في ملعب ما سماه بالمنظمات الإسلامية المتطرفة التي قال: إنها تشن حملة تشهير وتهديد واضحة للحكومة والسلطات السويدية ولم ينف ارتباطها بمنظمة داعش الإرهابية، عند سؤاله عن الذي في رأيه يقف خلف هذه الحملة.
وأرى أن المسؤول هذا أخفق في قوله: إن السويد أصبحت في موقف حرج إعلاميا، لأن هذه المنظمات تجير أي تصريح أو إيضاح حول الموضوع لمصالحها وأجندتها الخاصة ما يفاقم من الهجمة ضد السويد، وفق ما أتى في تقرير SVT1.
في الحقيقة مرة أخرى، تصريح مثل هذا غير متوقع من دولة بقامة السويد حيث يرقى إلى رفع الراية البيضاء أمام خطاب ينسبه إلى ما يقول: إنه منظمات إسلامية أو إرهابية.
نعم، إن الحملة الشاملة التي يبدو أن غايتها شيطنة السويد وإظهارها معادية للإسلام والمسلمين غير عادلة وليست منصفة، بيد أن إجراءات السويد ليست فقط لمعالجة وتفنيد هذه الحملة، بل تلك التي تستخدمها لفصل الأطفال عن آبائهم في حاجة ملحة إلى مراجعة. ولنا مزيد عن الموضوع في الأسابيع المقبلة بعون الله.