رحلة إلى الزمن السحيق
إذا أردت أن ترى الأرض البدائية قبل أن يلوثها البشر عليك أن تشد الرحال إلى بيلبارا غرب أستراليا، حيث يمكنك أن تشاهد أقدم أشكال الحياة على الأرض التي يعود تاريخها إلى نحو 3.6 مليار عام. ستشعر في البداية بالعزلة والغربة وكأنك على أحد الكواكب الغريبة عنك نظرا إلى مساحتها الشاسعة وألوانها المتماهية بين درجات الأحمر المهيب ووعورة سطحها وغرابة صخورها.
يعدها العلماء مستودع لأقدم قشرة أرضية في العالم تقف صخورها الغنية بالحديد التي تشكلت قبل وجود الأكسجين والحياة نفسها بارزة للعيان، ولم تؤثر فيها الأحداث الجيولوجية الكارثية التي مرت بها الأرض، ورغم قدمها إلا أنها لا تحتوي على أحافير داخل هيكلها عدا نوع واحد من الأحافير يعرف بـ"ستروماتوليت" ويبلغ عمره 3.45 مليار عام تعيش بين طبقاته بكتيريا زرقاء، الكائن الوحيد الذي عاش على الأرض في حقبة زمنية تسمى "دهر الطلائع" ثالث دهور الزمن الجيولوجي. يوم لم تكن ظروف الأرض مناسبة لأي شكل من أشكال الحياة عدا هذه الكائنات الدقيقة التي شكلت هياكل شبيهة بالشعاب المرجانية أثناء إطلاقها الأكسجين من خلال عملية التمثيل الضوئي. ولا يزال نظام الستروماتوليت حي وينتج الأكسجين في هذا الخليج وهو واحد من مكانين فقط على سطح الأرض يوجد فيه ستروماتوليت بحري حي.
تشبه سطح المريخ "الكوكب الأحمر" لذلك زارها رواد الفضاء قبل رحلتهم إلى المريخ للتعرف على شكل الحياة الأقدم، ورغم قسوة طبيعتها إلا أنها واحدة من أجمل الأماكن في العالم، تشكلت فيها حديقة كاريجيني الوطنية بفعل التعرية البطيئة على مدى مليارات الأعوام، وكأنها جزء من عالم آخر، تقع في أعماق الوديان القديمة والصدوع ذات الجوانب الشفافة، والشلالات الخلابة وبرك الصخور الرائعة التي تغذيها الينابيع الجوفية والنباتات المورقة والحياة البرية.
تسمح هذه الأرض للعلماء والسياح على حد سواء بالنظر إلى مقاطع الصخور العرضية وطبقاتها المتعددة وكأنك تغوص في الأعماق لتكتشف أسرار الأرض القديمة والزمن السحيق، وحين يخيم الليل على هذه الأرض العجيبة في ليلة يغيب فيها القمر وينعدم فيها التلوث الضوئي، يرحل بك النظر سابحا في السماء بين النجوم ومشدودا لمراقبة تفاصيل درب التبانة.
يقول بيت ويست، مرشد منطقة كاريجيني، أثناء سيرك عبر تلك الوديان، تأكد من أنك تضع يديك على أقدم صخور يمكن أن تلمسها على الإطلاق. عندما تفكر في هذا، فإنك ستنسى كل مشكلاتك ومخاوفك حتى طموحاتك. إنها تمنحك إحساسا حقيقيا بالطبيعة.