رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


اختناقات الشحن .. هيكلة وبدائل

تواجه دول العالم اليوم معوقات وقضايا مختلفة، تسببت في تباطؤ حركة ومؤشرات النمو الاقتصادي، وتعطيل حركة التجارة الدولية، وجعلها لا تسير بالمستوى الطبيعي المطلوب لضخ البضائع للأسواق، لتزويد القطاعات التجارية بالمطلوب.
وفي كل هذه المعادلة الاقتصادية تمثل حركة النقل عموما القاسم المشترك الأكبر لدعم حركة التجارة العالمية، خاصة الشحن البحري الذي واصل خلال الفترة الماضية تزويد الأسواق بالبضائع المتنوعة.
وجاءت جائحة كورونا لتعطل هذه المنظومة المهمة، وتسبب هذا الوضع في حالة إرباك عميق في توريد سلاسل الإمدادات، ما أسهم في ارتفاع أسعار السلع الأساسية، نظرا إلى الزيادة التي شهدتها أسعار الشحن البحري لتوقف عديد من الموانئ العالمية عن العمل خلال جائحة كورونا.
وفي هذا الصدد لا يتعافى الاقتصاد العالمي بسهولة بالشكل الذي يأمله العالم، والأسباب معروفة للجميع، وهي أن تخلصه من الآثار الاقتصادية التي تركتها جائحة كورونا لا يزال بطيئا، بينما تظل حالة عدم اليقين حاضرة على الساحة، بفعل تبعات الجائحة المشار إليها وعدم استقرار الاقتصاد العالمي أصلا حتى قبلها. حتى قبل كورونا لم تكن الأوضاع جيدة تماما، في ظل معارك وحروب تجارية، وتفاوت النمو بين منطقة وأخرى، وزيادة وتيرة الحمائية، وارتفاع سمة الإغراق في منتجات حيوية، إلى جانب مشكلات متعددة تعانيها دول محورية مثل دول الاتحاد الأوروبي في مجال استدامة الطاقة، فضلا عن المشكلات التي تنعكس تلقائيا عن الخلافات بل المواجهات السياسية بين روسيا والكتلة الغربية في أكثر من ميدان، كان آخره أوكرانيا، الأمر الذي يؤكد أن الساحة لم تكن مثالية، لكنها في الوقت نفسه لم تكن في خطر داهم.
الوضع الراهن على هذه الساحة متأزم ومتوتر وغير واضح في بعض المجالات، فضلا عن أن مسار التعافي ليس بالسرعة المأمولة، ولهذا المشهد عوامل موجودة على الأرض، فهناك مثلا ما يمكن تسميته بالصراع من أجل المواءمة بين مستويات التضخم المرتفعة والمخيفة في بعض الدول، ومعدلات الفائدة المنخفضة. القاعدة التقليدية تبقى هي الأساس في هذا الجانب المهم، وتكمن في أنه كي تخفض التضخم عليك أن ترفع الفائدة، لكن زيادة الأخيرة أيضا ليست سهلة في فترة تحتاج فيها الاقتصادات حول العالم إلى استمرار سياسة التيسير المالي، لدعم الحراك الاقتصادي من أجل الوصول إلى أفضل مستوى من النمو، بعد انكماش وتعاف مضطرب.
ووسط هذا الصراع، هناك أيضا مشكلات آتية من الأزمات المتزايدة في مجال سلاسل التوريد، بما في ذلك نقص منتجات أساسية في التصنيع. وأضيفت مشكلة أخرى في هذا الميدان الحيوي هي أن الاختناقات المرورية على الطرق الدولية للشحن البحري، أسهمت في إعاقة توريد السلع والمواد الخام، حيث أشار معهد "كيل" الألماني، إلى أن 11 في المائة من جميع البضائع المشحونة بحرا حول العالم عالقة في هذه الاختناقات.
ويبدو الأمر طبيعيا في هذه المرحلة بالذات، إذ إن حركة النقل البحري كبقية أدوات الشحن الأخرى ارتفعت وتيرتها في العام الماضي ولا تزال مستمرة، رغم نقص الإمدادات، فهناك تدافع عالمي لتعويض ما أمكن من الاحتياجات في كل القطاعات ولا سيما الصناعية منها.
أزمة الشحن لن تنتهي قريبا على ما يبدو، فضلا عن ارتفاع تكاليف نقل البضائع في كل المسارات البرية والبحرية والجوية، فقد تسببت كورونا في تراجع أعداد البحارة كالسائقين، أي أن هناك نقصا في العمالة في هذا الميدان. ولا شك أن القيود التي فرضت على مستوى العالم في الأشهر الماضية أسهمت في إغلاق كامل للموانئ، مع تكرار فرض هذه القيود بين فترة وأخرى، وكل الأمل حاليا أن تبقى مرافق الشحن بعيدة عن أي قيود جديدة.
هذه الإغلاقات أدت بطبيعة الحال إلى استنفاد القدرات العالمية على صعيد النقل، والشحن، وتسببت مرة أخرى في إعاقة توريد السلع والمواد الخام على المستوى الدولي، في وقت يحتاج فيه الحراك الاقتصادي العالمي بقوة إليها. وبالطبع أسهم في ذلك زيادة الطلب على السلع في ظل تراجع العرض في كل المجالات تقريبا، وهذا بالتالي زاد بقوة من حدة الاختناقات في المسارات البحرية الدولية، وهذه مشكلة يبدو أنها ستكون طويلة المدى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي