طوكيو تتصالح مع ذكرى حاكمها السابق سيئ السمعة

طوكيو تتصالح مع ذكرى حاكمها السابق سيئ السمعة
شينتارو إيشيهارا، حاكم طوكيو الراحل في صورة تعود إلى 2003. تصوير: كوجي ساساهارا "أ.ب"

في قلب مقبرة أوياما في طوكيو يوجد نصب تذكاري خصصه حاكم المدينة السابق، شينتارو إيشيهارا، للدبلوماسيين والخبراء والمستشارين الأجانب الذين ساعدوا على نقل اليابان إلى العصر الحديث.
إنه نصب تذكاري مؤثر كان سيبدو أكثر صدقا إلى حد كبير، لو لم يهدد إيشيهارا، قبل ظهوره النصب مباشرة، بنبش معظم رفات الأجانب ونقلها إلى مقابر أرخص في مكان آخر.
لكن هذا النوع من التصرفات المزعجة كان العلامة المميزة لرجل فهم القوى الدافعة للأجندة وتعظيم الذات، التي يحصل عليها المرء نتيجة لإدارة إحدى أهم المدن في العالم. كان إيشيهارا روائيا قوميا تحول إلى سياسي جعل من الصفاقة، والتحدي، وتوجيه الإساءات شكلا من أشكال الفن. لكنه طبع شخصيته على العاصمة بشكل لم يفعله أحد قبله أو بعده وتكشف فترته حاكما لطوكيو "1999 ـ 2012" بعض الحقائق المزعجة حول المدينة.
منذ وفاة إيشيهارا الأسبوع الماضي عن عمر يناهز 89 عاما، ركزت وسائل الإعلام اليابانية بشكل كبير على أقوال وأفعال الحاكم الراحل، الذي عمل بفاعلية عالية من أجل منع شاحنات الديزل من السير في الشوارع أو إعلان الحرب على الغربان التي تتسبب في الفوضى، لكنه كان يبدو في غاية الرضا والارتياح عندما ينفث النيران بجانب أكثر الأمور قابلية للانفجار.
هذه "جريمة تقريبا"، كما قال ذات مرة لشخص أجرى معه مقابلة، أن تستمر النساء في العيش بعد عمر الإنجاب. وينبغي ألا تعد اللغة الفرنسية - كما أعلن في مزحة أدت إلى إثارة دعوى قضائية - لغة عالمية لأنها تقرأ الرقم 80 على أنه "أربع عشرينيات". وخلص إلى أن الخسائر المروعة في الأرواح والممتلكات في زلزال 2011 كانت عقابا لغرور اليابان.
كانت هذه الكلمات نفسها التي قالها. وربما في أسوأ مناوراته، وضع إيشيهارا خطة في 2012 كانت حكومة طوكيو ستشتري بموجبها، من مالك ياباني خاص، جزءا كبيرا من سلسلة جزر متنازع عليها تعرف باسم سينكاكو في اليابان وباسم دياويو في الصين.
الخوف من هذا النوع من الضرب على وتر الوطنية الذي ربما كان إيشيهارا يحاول القيام به، بعد تمديد ولاية طوكيو لتشمل أصولا بحرية جيوستراتيجية مهمة، أجبر الحكومة المركزية اليابانية على شراء الجزر بنفسها. وبالتالي دفعت عملية الشراء بالعلاقات الدبلوماسية بين طوكيو وبكين إلى فترة من الصمت الطويل والمرير.
في نظر الليبراليين اليابانيين والمقيمين الأجانب وأولئك الذين اقتنعوا بحقد إيشيهارا المدمر كان الحاكم السابق قوة بائسة ومرعبة. كان يمثل تجسيدا بسيطا للمخاوف الأوسع بشأن أسوأ نزعات اليابان وميولها. ففي أوائل العقد الأول من القرن الـ21، أصدر إيشيهارا أمرا جعل عزف النشيد الوطني إلزاميا في الاحتفالات في مدارس طوكيو، وعاقب المعلمين الذين لم يستجيبوا له.
كانت عمليات إعادة انتخابه الثلاث بعد تحقيقه فوزا مريحا في كل مرة دليلا كافيا، للباحثين عن دليل، على أنه مقابل كل مرة تحتفل فيها اليابان الرصينة والتقدمية كان هناك في الخلفية بحر من القومية وكره النساء والأجانب.
مع ذلك، وجهة النظر هذه تقلل بشكل كبير من شأن إيشيهارا ومدينته. فخلال فترة توليه إدارة المدينة التي امتدت لـ13 عاما، اتسمت السياسات الوطنية اليابانية في عهد تسعة رؤساء وزراء من مختلف الأطياف السياسية بالتخبط. كان احتضان العاصمة المتكرر لحاكمها خلال تلك الاضطرابات إنما يعبر عن توقها للاستقرار أكثر من موافقتها على أجندته.
في الوقت نفسه، لم يعد الناخبون في طوكيو إهانات إيشيهارا اللفظية مجرد زلات "بمعنى الأخطاء الناجمة عن إساءة التعبير أوعن سوء التقدير" بل على نصوصا بدرت من شخص تخلص بطريقة مثيرة مما يقيد الخطاب الياباني العادي. لم يكن على أحد أن يوافق على أي شيء يقوله على الرغم من أن كثيرين ربما وافقوه الرأي.
شعرت طوكيو أيضا أن تهديدات إيشيهارا كانت أكثر من مجرد تمثيل. ففي 1989، شارك في تأليف كتاب "اليابان التي تستطيع أن تقول لا" مع مؤسس شركة سوني. تم نشر الكتاب في ذروة الفقاعة التي كانت تمر بها البلاد حيث سعى للتعبير عن الحزم "تجاه الولايات المتحدة على وجه الخصوص" الذي، من وجهة نظر المؤلفين، حققته اليابان الآن. أصبح إيشيهارا حاكما لطوكيو في نهاية "العقد الضائع" الأول لليابان، عندما كانت الثقة أقل وحماس مؤمن حقيقي أشد إثارة للإعجاب.
ورغم خطاب الرجل العجوز الغاضب، إلا أنه ترك بالفعل إرثا ضخما كان نتاج طموحاته واستعداده لمواجهة أي عقبات في سبيل تحقيق تلك الطموحات. كان أولمبياد طوكيو 2020، بغض النظر عن النتيجة، أحد مشاريع إيشيهارا. أما الأمر الأكثر ديمومة فهو المعركة التي خاضها مع الحكومة المركزية والجيش الأمريكي للسماح له بفتح الأجواء فوق مدينته، عبر تحويل مطار هانيدا في طوكيو إلى مركز دولي حقيقي وإنهاء اعتماد العاصمة لوقت طويل وبشكل سخيف على مطار ناريتا البعيد.
احتضن الناخبون في طوكيو إيشيهارا بسبب تخطيه الحدود ورفضه الرقص على أنغام أي شخص آخر. تأملات اليابان اليوم حول حياته تعد تذكيرا بمدى حب البلاد، سرا، لهذا الشخص المتمرد.

الأكثر قراءة