ماذا ينتظر أسواق النفط؟ «2»

عودا على بدء، ذكرت في المقال السابق أن أسواق النفط خلال العقد الأخير مرت بكثير من الأحداث الجوهرية والتقلبات السعرية، وأن ذلك ليس بغريب على أسواق النفط، فقد كانت وستبقى كذلك منذ تداول أول برميل لها، حتى تداول آخر برميل. أضفت أن المعادلة النفطية ليست معادلة بسيطة، بل معادلة معقدة جدا يؤثر فيها كثير من العوامل، وعليه في اعتقادي أن استشراف أسواقها وسلوكها وأسعارها يتطلب جهدا استثنائيا، ومتابعة حثيثة لجميع هذه العوامل وغيرها بصورة مستمرة. سلطت الضوء على بعض هذه الأحداث الجوهرية التي مرت على أسواق النفط، بدءا من التخمة النفطية، مرورا على الأحداث الاقتصادية التي أسهمت في تعميق آثارها ومنها تباطؤ الاقتصاد العالمي وعلى رأسه اقتصاد الصين، وصولا إلى جائحة كورونا التي نحرت الاقتصاد العالمي من الوريد إلى الوريد، ودون شك النفط ومشتقاته لم يكن في منأى عن آثار هذه الجائحة القوية.
تدهورت الأسعار في الأعوام القليلة السابقة بسبب الظروف السابق ذكرها، وكان لـ"أوبك" دور استثنائي في التعامل معها، يوازي استثنائية تلك الظروف، كيف لا والأسعار تسجل أرقاما قياسية لم نشاهدها منذ عام 2014، حيث تجاوز سعر خام برنت حاجز 93 دولارا للبرميل. في مطلع هذا العام، ومع هذا الصعود في الأسعار، ومع التغيرات الدراماتيكية التي يشهدها العالم من قضايا بيئية وأمنية وسياسية واقتصادية وغيرها، لعل السؤال الذي يخطر في بال الجميع الآن وهو عنوان هذه السلسلة من المقالات "ماذا ينتظر أسواق النفط؟" في رأيي وعلى الرغم من أن أسواق النفط مستقرة الآن والأسعار عند مستويات ممتازة للمنتجين دون شك إلا أن هناك بعض العوامل المتحملة التي قد تؤثر في أسواق النفط في المدى المباشر والقصير، وقد يكون لها تأثير متفاوت في أسعار النفط. أحد أهم العوامل في رأيي التي من المتوقع أن يكون لها تأثير واضح في أسعار النفط هو العقوبات الاقتصادية على إيران، حيث إن أسواق النفط تترقب نتائج المفاوضات حول برنامج إيران النووي الذي طال أمدها، وكمراقب أشعر أن هذه المفاوضات لا ترتكز على جدية في التفاوض البتة وكأن المماطلة مفتعلة لكسب الوقت لأهداف أخرى.
في رأيي هناك تساهل وليونة من جانب المفاوض الأمريكي ما قد يؤدي إلى حصول إيران على ما تريده وتبحث عنه منذ أعوام طويلة. وهذا يعني أن نحو 2.5 مليون برميل ستعود إلى الأسواق وإن كانت العودة بصورة تدريجية وخلال مدة طويلة إلا أن تفاعل الأسواق مع هذا الخبر قد يستغل مضاربيا ويضغط الأسعار إلى مستويات متدنية خصوصا إذا ما صاحب هذا الخبر أحداث سلبية أخرى فقد يكون الأثر والتأثير أقوى.
أيضا من العوامل المهمة المؤثرة، التعاطي المتطرف في اعتقادي من قبل بعض الدول والجهات مع قضية تغير المناخ والاحتباس الحراري والحملة القوية التي تشن ضد الوقود الأحفوري. السؤال الذي يطرح نفسه هنا كيف ستتفاعل أسواق النفط إذا حدث ما تم ذكره سواء مجتمعين أم منفردين؟ وكيف ستتعامل "أوبك" مع هذا السيناريو المطروح؟ الإجابة في المقال المقبل بإذن الله تعالى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي