أنسنة المدن .. الرياض أنموذجا
كان كثير من المدن يسبب الاكتئاب والتوتر لساكنيها، نتيجة طبيعة تخطيطها الحضري الذي يتجاهل جودة حياة الإنسان، فقد كان المطور العقاري هو المسيطر على المشهد الحضري، وكان آخر همه الجوانب الإنسانية أو الاستدامة في مخططات الأحياء، فلا تتوافر حدائق ومسطحات خضراء، ولا توجد ممرات لممارسة رياضة المشي أو استخدام الدراجات الهوائية، علاوة على وجود الاختناقات المرورية والتلوث.
وإن وجدت بعض الحدائق الصغيرة، فإن غير السعوديين هم مرتادو تلك الحدائق الصغيرة، التي تغلق مبكرا، ما يجعل سكان الأحياء دون ترفيه يذكر.
ولكن الصورة تغيرت كثيرا خلال الأعوام الأخيرة، وتحول المشهد، فأصبحت الحدائق جزءا من الترفيه والرياضة لكثير من أفراد الأسرة السعودية وغير السعودية على حد سواء، وخاصة الأطفال والنساء. فبعدما كانت الحدائق خالية وموحشة، وبالتالي غير مشجعة لبقاء أفراد الأسرة في أوقات المساء، أصبحت في الوقت الحاضر مكتظة تعج بالأنشطة والناس في معظم الأوقات.
لا شك أن هذه التغيرات الكبيرة التي تشهدها المدن السعودية، وخاصة مدينة الرياض، من ثمرات مستهدفات رؤية المملكة 2030 وبرنامج جودة الحياة. فكثير من أحياء مدينة الرياض يتمتع بمسارات رياضية وحدائق فسيحة، إلى جانب المسار الرياضي الذي تحت الإنشاء، ومبادرة الرياض الخضراء التي أضافت حلة خضراء إلى كثير من الشوارع والميادين بالمدينة. وعلاوة على ذلك يسير مشروع تأهيل وسط الرياض على قدم وساق، ليتضمن إزالة المساكن القديمة الآيلة للسقوط.
إنها مبادرة طال انتظارها، فهذه الأحياء كانت ملجأ لكثير من العمالة السائبة من ذوي الإقامات غير النظامية، ما يجعلها بؤرا للجريمة في مدينة الرياض.
جدير بالذكر أن مفهوم جودة الحياة في المدن يشير إلى التكامل بين تنمية المكان وحياة الإنسان بما يحقق خيارات واسعة من الترفيه والاستمتاع والسعادة للسكان، نتيجة تحسين البيئة العمرانية من النواحي المادية والاجتماعية. ويركز برنامج جودة الحياة الذي يعد من أبرز برامج رؤية المملكة 2030، على تطوير نمط الحياة من خلال توفير خيارات الترفيه وزيادة الرفاهية وأساليب الحياة في المدينة، وتضمن إطلاق مبادرات كثيرة لتحقيق ذلك، منها إيجاد بيئة مشاة آمنة ذات جودة عالية، وأحياء سكنية مستدامة. هذه الجهود تؤدي إلى ما يعرف بـ"أنسنة المدن"، بحيث تكون المدينة صديقة للإنسان من حيث بنيتها الخدمية ومكونات بيئتها العمرانية، بما يمنح سكانها خيارات واسعة من الترفيه والرياضة والنقل والسكن ونحوها، ليقضي فيها الإنسان وقته يعيش حياته بسعادة واستقرار بعيدا عن الضغوط والاكتئاب.
عودا إلى مدينة الرياض الجميلة التي تلبس حلة خضراء نتيجة مبادرة "الرياض الخضراء"، وهي تتحول تدريجيا لتكون مدينة ذكية بإدارتها وخدماتها واستشعارها للأنشطة التي تحدث فيها والتحديات التي تواجهها، أتمنى أن تتمكن من تحقيق المزيد لاستكمال مقومات المدينة الذكية في اقتصادها وخدماتها وتقليل اعتماد سكانها على السيارات، إلى جانب تعزيز الاستدامة البيئية لأحيائها السكنية، لما لذلك من انعكاسات صحية ونفسية واجتماعية تسهم في النهاية، في زيادة إنتاجية المدينة ورفع تنافسيتها الاقتصادية مع المدن الأخرى نتيجة جاذبيتها واستقطابها العقول والكفاءات الذكية.