اليابان تختبر الحياة دون هجرة
تعهد رئيس الوزراء فوميو كيشيدا، في خطاب ألقاه في افتتاح البرلمان هذا الشهر، بنشر جاذبية اليابان للعالم من خلال تسجيل مشروب ساكي في منظمة اليونسكو كمورد ثقافي.
لقد كان تعهدا يترك مشروب ساكي أمام بعض التملق الهائل. اليابان، من ناحية الجائحة والسياسة، يبدو أنها تسقط بقوة أكبر وأسرع في نقص في الجاذبية.
تضمنت استجابات اليابان للجائحة قيودا حدت بشدة من الوافدين الأجانب الجدد- سواء في السياحة أو العمل أو البحث أو تأشيرات الطلاب- منذ آذار (مارس) 2020. قدرت صحيفة "نيكي" في تشرين الأول (أكتوبر) عدد الوافدين المحتملين الذين ينتظرون بإحباط دون جدوى أن يسمح لهم بالدخول عند 370 ألف شخص. كثير من هؤلاء، إذا كانت الروايات وحجم السخط على الإنترنت دليلا لنا، ربما يأسوا من اليابان تماما منذ ذلك الحين.
بالطبع، كان هناك استثناء متعارض في الصيف الماضي لعشرات الآلاف من الرياضيين والفرق والمسؤولين الأولمبيين الذين منحوا الدخول من أجل الألعاب الأولمبية نسخة 2020 في طوكيو المؤجلة. حتى دون الارتفاع المخيف في الحالات بسبب الأولمبياد، بدا هذا في ذلك الوقت، كما هو الحال الآن، وكأنه استثناء مراوغ مصيره أن يستشهد به النقاد كدليل على تناقض الحكومة.
في مواجهة عناد اليابان المستمر على حدودها، أصبح هؤلاء النقاد مختلفين وصاخبين بشكل غير عادي. إن العزلة الذاتية لليابان وغيرها من الإجراءات لحماية مواطنيها تقع فقط في الطرف الأشد لمجموعة من الاستراتيجيات الوطنية. تعد معدلات الوفيات من كوفيد المنخفضة نسبيا، في بلد فيه ما يقارب من 30 في المائة من السكان الذين تزيد أعمارهم على 65 عاما، درعا بيانيا متينا. لكن نتيجة الأعوام الكثيرة التي أمضتها اليابان في التسويق عن نفسها على أنها ذراع مفتوحة للسياح والمستثمرين والباحثين والطلاب والشركات، فإن تبخر الترحيب تماما أمر لافت للنظر. قال دبلوماسي ياباني رفيع المستوى، إنه لم يسبق أن تم التخلص من هذا القدر من القوة الناعمة بهذه السرعة.
لكن هناك تفسير آخر، وهو أن اليابان تتقدم أكثر في تجربة لم تحلم أبدا بإمكانية إجرائها، لكن كوفيد نقلها فجأة من النظرية إلى العملية: اختبار "ماذا لو؟" للحياة دون هجرة.
توسلت جماعات الضغط الأجنبية والمحلية في الأسابيع الأخيرة إلى اليابان لإعادة التفكير في سياساتها- ليس فقط من أجل مصلحة حاملي التأشيرات والمتقدمين مباشرة، بل من أجل سمعة البلاد وصالحها على المدى الطويل. حذر أكاديميون من تهديد طويل الأمد على البحث ومن استحالة جذب المواهب من الخارج في المستقبل. يخشى مصرفيون من أن الحظر المفروض على الزوار يساعد الصناديق العالمية على أن تقرر بأنها تستطيع تحويل انتباهها بعيدا عن سوق لم يكن من الممكن تجاهلها في يوم من الأيام. في الأسبوع الماضي، قال الرئيس السابق لغرفة التجارة الأمريكية إن استمرار الحظر من شأنه أن يعوق الشركات ويقوض جهود طوكيو لتصبح مركزا ماليا عالميا.
لقد كانت اليابان، كما أحب كثيرون الإشارة إلى ذلك في الأشهر الأخيرة، في هذا الوضع من قبل. بين منتصف القرنين الـ 17 والـ 19، قطعت البلاد تقريبا كل الاتصالات مع العالم الخارجي فيما أصبح يعرف باسم فترة ساكوكو (دولة مغلقة). بدأ عصرها الحديث، بشكل مؤلم، مع الاعتراف القسري بأن العزلة جعلتها أضعف.
لا يبدو أن أيا من ذلك يحدث فرقا كبيرا في الوقت الحالي. إن سياسة إبقاء الحدود مغلقة هي أقرب ما تكون إلى البديهية مثل ما تحصل هذه الأمور. قد تكون الصناعات التي تواجه السياح تتألم، بينما تتوقع الصناعات الأخرى التي تعتمد على العمالة الأجنبية مشكلات حقيقية. لكن جمهور الناخبين يؤيد بأغلبية ساحقة سياسة جاءت حتى الآن دون ثمن باهظ أو مرئي أو فوري بما يكفي لإقناع أي شخص بأنها خاطئة.
إلى أن يصبح هذا الثمن مؤلما، أو تنتهي الجائحة، يمكن لليابان المضي قدما في تجربة انعدام الهجرة. النجاح يعتمد على أي جانب من الجدال يقف المرء. إذا تمكنت اليابان من التخبط دون وقوع كارثة، فسيسعد الذين هم ببساطة غاضبون من تدفق الأجانب قبل كوفيد، وأولئك الذين يعتقدون بشكل نشط أن اليابان قد تتطور إما بشكل مثير أو مريح إذا كانت في عزلة على غرار جزر جالاباجوس. سيشعر آخرون بأنهم على حق بجدية إذا ثبتت صحة التحذيرات من العواقب الوخيمة.
إن استقصاء ماضي اليابان والاستنتاج بأن البلاد، من خلال بعض الميول التاريخية، تبنت الآن سياسة "ساكوكو جديدة" يبالغ في طول العمر المحتمل ويخفي أهمية هذه اللحظة. لأعوام كثيرة، حتى مع تزايد تدفق الأجانب ورؤية أي شخص جاد أن مستقبل اليابان يعتمد على مكمل ثابت لانخفاض معدل المواليد، تجنبت السياسة اليابانية بدقة مناقشة كاملة حول الهجرة.
قد تتمكن من فعل ذلك لأعوام مقبلة. لكن مهما كانت أصولها غير سعيدة، فقد قدمت هذه التجربة على الأقل لصانعي السياسة في اليابان طريقة لتأطير مثل هذا الجدال: ما إذا كان حدث ساكوكو- كوفيد العظيم دليلا على المرونة أو الضعف.