عام على جنون «جيم ستوب» .. تغيرت اللعبة واستعادت السوق الوعي
في مثل هذا الوقت من العام الماضي، قفز ملايين من المستثمرين الهواة إلى زوايا خطرة في الأسواق المالية الأمريكية سعيا وراء الثراء، وأشعلوا الأسهم في شركة التجزئة قليلة الشأن، جيم ستوب، رافعين سهمها إلى مستويات خيالية تركت مديري الصناديق المحترفين في حيرة من أمرهم.
الآن يشاهد المستثمرون الكبار والصغار الرهانات التي تميزت بجنون المضاربة تتضاءل مع تراجع الاحتياطي الفيدرالي عن برنامج التحفيز الذي أبقى الأسواق تحلق عاليا لما يقارب عامين.
تراجعت أسعار الأسهم الميمية، والعملات المشفرة، وشركات القنب، وأدوات الشيكات المفتوحة المعروفة باسم سباك (شركة استحواذ ذات غرض خاص) جميعها مع تراجع الأصول التي غلفت ذلك الارتفاع الشديد في الأسعار، ما لا يترك مجالا للشك في أن اللعبة في الأسواق قد تغيرت.
قال جون ليونارد، الرئيس العالمي للأسهم في شركة ماكواري لإدارة الأصول: "الاحتياطي الفيدرالي لا يعمل لدعم تقييمات الأسهم أو العملات المشفرة أو سباك. لقد تم إخراج الأسهم ذات النمو المفرط طويلة الأمد وإطلاق النار عليها".
انخفض متوسط الأسهم في مؤشر رسل 3000، وهو مقياس واسع لسوق الأسهم الأمريكية، 35 في المائة من أعلى نقطة له في الـ12 شهرا الماضية، وفقا لبيانات حللتها "فاينانشيال تايمز".
في مؤشر ناسداك المركب، وهو موطن عشرات الشركات سريعة النمو التي كانت رائجة في ذروة الجائحة، يقترب متوسط الانخفاض من 45 في المائة.
قال روس كويستريتش، وهو مدير محفظة في شركة بلاك روك، إنه تم تشجيع المضاربة عبر "بيئة السيولة غير العادية" منذ أن ضرب فيروس كورونا.
في الوقت الذي دمرت فيه الجائحة المجتمعات في جميع أنحاء العالم وأدت إلى ترنح الأسواق المالية، تدخل البنك المركزي والحكومة الأمريكية، وضخا تريليونات الدولارات في الاقتصاد لمنع حدوث أزمة مالية.
قال كويستريتش: "كان ذلك دفعا كبيرا لجميع أنواع الأصول الخطرة: كان الأمر يتعلق بسباك، والاكتتابات الأولية، والعملات المشفرة. لقد شهدنا تراجعا في كل تلك الأمور أخيرا ولا أعتقد أنها غير مرتبطة ببعضها. كان الاحتياطي الفيدرالي واضحا للغاية بشأن رغبته في كبح الفائض. إلى أي مدى سيذهب هو أمر غير مؤكد لكن ما هو واضح أنك لن تحصل على المستوى نفسه من الدعم الذي حصلنا عليه".
لقد عانت أسهم شركات التكنولوجيا الخاسرة بعد ازدهار أولي في كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير) الماضيين. لكن في تشرين الأول (أكتوبر) وتشرين الثاني (نوفمبر)، ارتفعت الأسعار مرة أخرى، مسجلة أعلى مستوياتها في ثمانية أشهر في التاسع من تشرين الثاني (نوفمبر)، وهو اليوم الذي قامت فيه شركة ريفيان الناشئة للسيارات الكهربائية بتسعير طرحها العام الأولي، وفقا لمؤشر جولدمان ساكس. وبعد يوم واحد، ارتفع سعر عملة بيتكوين إلى مستوى قياسي، أقل بقليل من 69 ألف دولار.
لم تدم الفرحة طويلا. فبينما ارتفعت القيمة السوقية لشركة ريفيان لعدة أيام وتغلبت لفترة وجيزة على شركة فولكسفاجن، هزت بيانات التضخم بنك الاحتياطي الفيدرالي والمستثمرين. وبدأت الأسواق في التكيف مع الواقع الجديد حيث لم تعد أسعار الفائدة المتدنية والسياسة السهلة مضمونة.
انخفضت حصص الأسهم التي كانت تحلق في السابق، بما فيها شركة فيرجن جالاكتيك، وموقع المراهنات الرياضية درافت كينغز، وشركة بيوند ميت المنتجة للحوم النباتية، أكثر من الثلث بين أوائل تشرين الثاني (نوفمبر) ونهاية العام. وتراجعت عملة بيتكوين، التي يعدها عديد من المستثمرين الآن مقياسا للمشاعر تجاه الأصول المضاربة، بشكل كبير، حيث انخفضت في وقت ما إلى النصف من ذروتها في تشرين الثاني (نوفمبر).
قال ريان جاكوب، وهو مستثمر تكنولوجي متمرس يدير صندوق جاكوب إنترنت فند وصندوق إي تي إف الذي يركز على التكنولوجيا، إن سوق العملات المشفرة كان لها "أصداء لما حدث في طفرة الدوت كوم"، عندما كان عديد من المستثمرين مقتنعين بأن التكنولوجيا الجديدة لديها إمكانات لكنهم وجدوا من الصعب تحديد الشركات التي ستنطلق في الفضاء الجديد.
أضاف: "ستخرج بعض الشركات كبيرة جدا من هذا، لكن هذا هو الجزء السهل. الجزء الصعب هو معرفة أي منها. قد يكون 90 في المائة من الشركات عبارة عن هراء تام ".
بالنسبة للشركات التي كانت في قلب جنون الأسهم الميمية، كانت التأرجحات عنيفة بشكل خاص. أسهم شركة جيم ستوب لبيع ألعاب الفيديو بالتجزئة انخفضت 80 في المائة تقريبا عن الرقم القياسي المسجل في العام الماضي. ولا يزال هذا الانخفاض أعلى كثيرا من السعر الذي كان سائدا أمام المتداولين اليوميين على منصة ريديت، الذين تجمع بعضهم على لوحة رسائل وول ستريت بيتس، ما ساعد على إطلاق "ضغط قصير" لإلحاق الضرر بصناديق التحوط التي تراهن ضد السهم. لكن المتداولين اليوميين انتقلوا إلى مكان آخر إلى حد كبير.
انهارت أحجام التداول في جيم ستوب وما تسمى الأسهم الميمية الأخرى مثل مشغلة السينما، إيه إم سي إنترتينمنت، وشركة إكسبرس للتجزئة، ومجموعة نوكيا للاتصالات.
بدلا من ذلك، اندفع المستثمرون إلى أجزاء أخرى من السوق، بما فيها الخيارات التي تجنبوها إلى حد كبير العام الماضي. بالنظر إلى الطريق الأكثر وعورة في السوق - لم يعد مؤشرا إس آند بي 500 وناسداك يصلان إلى مستوى قياسي بعد مستوى قياسي - حقق المتداولون هذا الشهر أرقاما قياسية لشراء خيارات بيع الأسهم. توفر العقود الحماية وإمكانية الاستفادة من انحدار في السوق.
لاحظ الاستراتيجيون في وول ستريت أن عديد من خيارات البيع الجديدة تم شراؤها وبيعها في اليوم نفسه، ما يشير إلى أن المتداولين لا يحاولون ببساطة التحوط من عمليات البيع. بدلا من هذا، يشير ذلك إلى أنهم يحاولون الاستفادة من التقلبات اليومية في أسعار الخيارات.
أجرى بريستون سيو، وهو مؤثر على يوتيوب مقيم في الولايات المتحدة، استطلاعا لمتابعيه وقال إن معظمهم يزعمون أنهم يبحثون عن صفقات رابحة، لكنهم يغمرون بريده الوارد برسائل تطلب الإرشاد.
أضاف: "قد يبدو الكثير من هؤلاء المستثمرين الشباب واثقين في الشراء عند انخفاض الأسهم. لكن وراء الأبواب المغلقة أصبحوا قلقين لأنهم على الأرجح لم يواجهوا تباطؤا مثل هذا من قبل".
ساعد التهديد برفع أسعار الفائدة في تأجيج هذا القلق. أشار بنك الاحتياطي الفيدرالي أخيرا إلى أنه سيرفع أسعار الفائدة في آذار (مارس) للمرة الأولى منذ عام 2018، وترك الرئيس، جاي باول، الباب مفتوحا لاتخاذ إجراءات أكثر جرأة لترويض التضخم وتهدئة اقتصاد سريع النمو.
قال راندي فريدريك، العضو المنتدب للتداول والمشتقات في تشارلز شواب: "الأشخاص الذين وضعوا كل شيء هناك سيكتشفون أنه لا يوجد طريق مختصر للثراء (...) هذا النوع من حمى المضاربة سيهدأ. الشيء الجيد هو أنها لم تقض على السوق بالكامل".
أضاف فريدريك أن الانقلاب الأخير من شأنه أن يوفر درسا قاسيا لأي متداولين جدد ركزوا استثماراتهم في عدد صغير من الأصول. "يجب على كل جيل أن يتعلم هذه الأخطاء بنفسه، مهما كانت محاولات أولئك الذين كانوا حولهم منا لفترة من الوقت لتحذيرهم. إنها لعبة مختلفة قليلا في كل مرة لكن النهاية هي نفسها دائما. النقطة الصعبة هي تحديد متى سيحدث ذلك".