جائحة مقابل مرض متوطن .. نهايتان متناقضتان لكوفيد
بعد أن أعرب رئيس منظمة الصحة العالمية الإقليمي لأوروبا عن أمله في أن تنتقل القارة إلى "نهاية الجائحة"، تحرك رؤساؤه في منظمة الصحة العالمية بسرعة للتقليل من شأن هذا التفاؤل.
المدير العام للمنظمة، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، أوضح عقب يوم من تصريحات هانز كلوج أن "من الخطر الافتراض (...) أننا في نهاية فيروس كورونا" فيما أكدت منظمة الصحة العالمية في أوروبا أن "الجائحة لم تنته بعد".
الرسائل المربكة تدخل في صميم جدل كان يتصاعد حول أي إلى مرحلة من الجائحة ينتقل العالم، حتى قبل أن يتسبب المتحور أوميكرون في اندلاع موجة عدوى عالمية.
يمكن بلورة المواقف المختلفة على أنها "جائحة مقابل مرض متوطن". فمن ناحية يرى المجتمع العلمي أن التهديد المستمر من المتحورات وحملة التلقيح العالمية غير المنتظمة دليل على أن العامل الممرض لم يتم التغلب عليه.
من ناحية أخرى، هناك أولئك ـ في الأغلب ما يكونون سياسيين ـ الحرصاء على أن يتم التعامل مع الفيروس الذي علق مثل العبء الثقيل حول عنق العالم لمدة عامين، كما يتم التعامل مع أي مرض آخر إشكالي - تهديد، لكنه تهديد يمكن التعامل معه.
جادل بيدرو سانشيز، رئيس وزراء إسبانيا، قائلا "إننا نتجه نحو مرض متوطن بدلا من الجائحة التي كانت عليها الحال حتى الآن". ومع ذلك تعتقد قلة من خبراء الصحة أن الطريق إلى توطن المرض سيكون سهلا.
قال تيم كولبورن، أستاذ علم الأوبئة الصحية العالمية في يونيفرسيتي كوليدج لندن: "عديد من السياسيين لا يعرفون ماذا يعني المرض المتوطن" حتى لو كان "هناك مبرر للقول إن الأسوأ قد انتهى".
أضاف: "إن هذا لا يعني أن الحدة ستنخفض. المرض المتوطن عادة ما يعني حالة ثابتة من التوازن دون ذروات كبيرة، لذلك نحن لم نصل إلى هناك بعد. يمكنك أن تجادل أن السياسيين الذين يقولون ذلك منخرطون في التمني ".
مارك فان رانست، أستاذ علم الفيروسات في جامعة لوفين، عدّ أن المرض المتوطن مصطلح واسع، وغير محدد وفي الأغلب ما يساء فهمه، ولكن من السابق لأوانه أيضا القول إن العالم قد وصل إلى هذه المرحلة.
قال: "طالما أن أوميكرون لا يزال موجودا بأعداد كبيرة، متسببا في حدوث أمراض مستفحلة مهما كانت خفيفة نسبيا وطالما أن هذا يثقل كاهل قطاع الرعاية الصحية (...) لا ينبغي أن نطلق على هذا ’وضع مرض متوطن‘".
على الرغم من ذلك، تحركت دول بما في ذلك الدنمارك وإنجلترا لرفع قيود كوفيد في محاولة للعودة إلى طبيعتها، حيث ظلت الضغوط على المستشفيات منخفضة.
أسقطت الدنمارك القيود على الرغم من معدلات الإصابة المرتفعة، مدفوعة بنوع أوميكرون الفرعي BA. 2، الذي تقدر السلطات الصحية أنه يمكن أن يكون معديا أكثر 50 في المائة من أوميكرون الأصلي. وتزامن إنهاء الإجراءات في إنجلترا الأسبوع الماضي مع توقف في الانخفاض الحاد في معدلات الإصابة هذا العام.
حتى تايلاند، التي اتبعت سياسة كوفيد الصفرية حتى الصيف الماضي، اتخذت خطوة تجريبية يوم الجمعة نحو التعامل مع الفيروس على أنه مرض متوطن، حيث حدد مسؤولو الصحة إرشادات حول كيفية البدء في معاملته كفيروس الإنفلونزا في غضون ستة أشهر إلى عام.
قال ديفيد هيمان، الأستاذ في كلية لندن للصحة والطب الاستوائي، إن إنجلترا، حيث كانت مناعة السكان من اللقاحات والإصابات السابقة تزيد على 95 في المائة، ظلت تعامل الفيروس على أنه مرض متوطن منذ الصيف.
قال أيضا: "لقد نقلوا تقييم المخاطر من الحكومة إلى الأفراد، وقدموا اختبارات تشخيصية سريعة يمكننا استخدامها أو يمكننا ارتداء الأقنعة".
يشير الخبراء أيضا إلى أنه لمجرد أن المرض متوطن لا يعني أنه ليس مميتا - فالسل والملاريا وفيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز كلها متوطنة وقتلت الملايين. وفي الطرف الآخر من المقياس، تصنف الأمراض اليومية مثل الإنفلونزا على أنها أمراض متوطنة أيضا.
قال هيمان: "إن الأمراض المتوطنة (...) هي مجرد مرض ينتقل بين البشر ويستمر في الانتقال حتى يتم اتخاذ تدابير لمنعه من ذلك. السل متوطن، وفيروس نقص المناعة البشرية متوطن - كل هذه المعديات التي جاءت من مملكة الحيوانات أصبحت أمراضا متوطنة".
ولا يبدو أن أوميكرون أقل ضراوة، لكن قابلية انتقاله المتزايدة بشكل كبير مقارنة بالمتحورات السابقة تشكل تحديا في العدد الهائل من حالات الدخول إلى المستشفيات التي يمكن أن يسببها، خاصة بين غير الملقحين.
حذرت منظمة الصحة العالمية وآخرون من أن مجرد حقيقة انتشاره بهذه السرعة يمكن أن يعجل أيضا بظهور متحورات جديدة صعبة. تدرس منظمة الصحة العالمية، التي بدأت استخدام مصطلح الجائحة في آذار (مارس) 2020، كيفية الانتقال من "الاستجابة الجائحية الحادة إلى مكافحة مرض كوفيد - 19 طويل الأمد والمستدام". لكن نظرا لأن اختصاص الهيئة الصحية عالمي، فإن أي توجيه يتعين أن يأخذ في الحسبان الوضع حول العالم، وليس في بعض البلدان فقط.
قال فرانسوا بالو، مدير معهد يونيفرسيتي كوليدج لندن الوراثي، إن جذور المشكلة تكمن في رغبة مفهومة لدى الناس في العودة إلى الحياة الطبيعية - وعلى هذا النحو لم يكن مفاجئا أن عديد من المسؤولين المنتخبين كانوا حريصين على نقل البشارة التي يتوق إليها ناخبوهم.
"لقد كان هناك نمط من الوعود الزائدة (...) وكنا جميعا مذنبين في ذلك لأننا نريد أن نؤمن بالأشياء" التي نريدها كما قال، مثل أن" اللقاحات ستمنع انتقال العدوى على المدى الطويل نسبيا، وهو ما نعرف بشكل عقلاني أنه لن يحدث بطريقة ما".
توقع نيلسون لي، أستاذ الصحة العامة في جامعة تورنتو، أن كوفيد لن يصبح "مرضا يحدث باستمرار في المجتمع" وبدلا من ذلك سيصل إلى الذروة مرة أو مرتين في العام، على غرار الطريقة التي يتصرف بها فيروس الإنفلونزا.
أضاف: "سيكون مثل الوباء. سيأتي ويذهب اعتمادا على تطور الفيروس مقابل المناعة الجماعية للسكان".
بغض النظر عما سيؤول إليه فيروس كورونا، اتفق العلماء على أن النهاية ستصل في نهاية المطاف. قال بالوكس: "من المهم جدا إعطاء فكرة أنه يوجد ضوء في نهاية النفق وأن الجوائح لا تدوم إلى الأبد".