ماذا ينتظر أسواق النفط؟ «1»

مرت أسواق النفط خلال العقد الأخير بكثير من الأحداث الجوهرية والتقلبات السعرية، وهذا ليس غريبا على أسواق النفط، فقد كانت وستبقى كذلك منذ تداول أول برميل لها، حتى تداول آخر برميل. المعادلة النفطية ليست معادلة بسيطة؛ بل معادلة معقدة جدا يؤثر فيها كثير من العوامل الاقتصادية والفنية والسياسية والأمنية والاجتماعية وغيرها، وعليه - في اعتقادي - أن استشراف أسواقها وسلوكها وأسعارها يتطلب جهدا استثنائيا، ومتابعة حثيثة لجميع هذه العوامل وغيرها بصورة مستمرة.
بدءا من التخمة النفطية التي تضرر منها جل الدول المنتجة بنسب متفاوتة بسبب انخفاض الأسعار بسبب زيادة المعروض، مرورا بالأحداث الاقتصادية التي أسهمت في تعميق آثارها، ومنها تباطؤ الاقتصاد العالمي، وعلى رأسه اقتصاد الصين، حيث وصل خام برنت إلى 27 دولارا للبرميل مطلع عام 2016، وصولا إلى جائحة كورونا التي عصفت بالاقتصاد العالمي، وما زالت آثارها الحادة قائمة حتى هذه اللحظة.
كل ما سبق من أحداث وتطورات متسارعة أدت إلى تدهور أسواق النفط، حيث وصلت أسعاره إلى مستويات تاريخية لم ينجح أحد في استشرافها أو حتى توقع أرقام قريبة منها، فمن كان يتوقع أن تصل أسعار الخام إلى الأمريكي إلى دون الصفر؟ ومن كان يتوقع أن يصل خام برنت إلى مستويات الـ 20 دولارا للبرميل؟ هذه الظروف غير المتوقعة والاستثنائية تفوق أحيانا قدرات بيوت الخبرة والمراكز المختصة باستشراف أسواق الطاقة، وعلى رأسها النفط، ليس لضعف كفاءة وقدرات هذه البيوت والمراكز، بل لكون الظروف استثنائية وغير متوقعة ألبتة، مثل جائحة كورونا - على سبيل المثال - التي شلت الاقتصاد العالمي، ما أدى إلى إغلاق كلي أو جزئي لجل دول العالم وأنشطته الاقتصادية وحدوده البرية والبحرية والجوية.
ما أعنيه هنا أن استشراف المستقبل ضرورة؛ بل حاجة ملحة، وصناعة معقدة قل من يجيدها، لكن - في اعتقادي - أنها مهمة للتعامل مع الأحداث المتوقعة استباقيا كفعل، لكن الظروف الاستثنائية غير المتوقعة ستضع هذه الدراسات على الأرفف ولن تستفيد منها. هذا يتطلب وجود جهة تجمع بين الحسنيين، تقرأ المستقبل ولديها القدرة على التعامل مع الأمر الواقع بحكمة وسرعة وعملية. وبلا شك عندما نتحدث عن هكذا جهة، فإننا نتحدث عن "أوبك" ودورها التاريخي المهم والحيوي في التعامل مع جميع الأحداث والظروف والمتغيرات المتوقعة وغير المتوقعة.
دور "أوبك" الاستثنائي، بقيادة السعودية، وجهدها الاستثنائي يشار إليه بالبنان، منه - على سبيل المثال لا الحصر -، الاتفاق التاريخي في نهاية عام 2016 لخفض الإنتاج بالتعاون بين "أوبك" والمنتجين المستقلين، الذي دخل حيز التنفيذ مطلع عام 2017، وأسهم في ارتفاع أسعار النفط لكن بصورة بطيئة حتى وصل خام برنت إلى 65 دولارا للبرميل، لكن تزامن تأثير هذه الاتفاقية التاريخية مع بزوغ نجم النفط الصخري الذي قلل نوعا ما من تأثير الاتفاقية. تعيش أسواق النفط حاليا استقرارا لافتا ولست متفاجئا من ذلك، فالظروف الاستثنائية التي مرت بها الأسواق قابلت إجراءات استثنائية وحكيمة من "أوبك"، وهذا نتاج عمل دؤوب وخبرة عميقة تحمل بصمات السعودية بالتعاون مع حلفائها. السؤال المهم جوهر هذه السلسلة من المقالات: "ماذا ينتظر أسواق النفط؟" وجوابه موضوع مقالنا المقبل، بإذن الله تعالى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي