عندما يصبح المهاجرون مواطنين عالميين
في الصيف الماضي تلقيت دروسا في التنس في إسبانيا على يد مدرب إسباني يدعى سيرجيو. وذات صباح سمعته يتحدث مع عميل باللغة الروسية. سألته لاحقا، "سيرجيو، هل أنت روسي؟". وقال: "حسنا، أنا روسي بأصول إسبانية". وشرح أن جده كان أحد الإسبانيين اليتامى البالغ عددهم 2،895 الذين تم إرسالهم إلى الاتحاد السوفياتي بعد انهيار إسبانيا في الحرب الأهلية. انتهى الأمر بجده في شبه جزيرة القرم. بعد أن أصبحت إسبانيا فاشية وأصبحت عدوة للاتحاد السوفياتي، أبقى أصوله سرا لعقود. وفي 1991، حان دور الاتحاد السوفياتي للانهيار. وفي يوم من الأيام طرق رجل عجوز على باب جده، كان شقيقه من إسبانيا. حيث سافر الشقيق في جميع أنحاء شبه جزيرة القرم وهو يسأل كل من قابله عما إذا كانوا يعرفون شخصا إسبانيا. ثم استغل سيرجيو أصول عائلته لبدء حياة جديدة في إسبانيا.
عندما تنهار الدول، يلوذ الناس بالفرار. وقد حدث هذا أخيرا في سورية، وفنزويلا وأفغانستان. وقد تكون أوكرانيا هي التالية. ففي 2020 كان هناك رقم قياسي من 82 مليون شخص نازح، أو واحد من بين كل 95 شخصا، وفقا لوكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. فقط نسبة ضئيلة – ما مجموعه 250 ألف في 2020 – تعود إلى موطنها. وفي الوقت نفسه، فإن سقوط الدول سلميا نوعا ما، مثل لبنان، يوجد أيضا مهاجرون. بعض هؤلاء الأشخاص وأحفادهم سيغيرون العالم.
القصة المشتركة بين العائلات المهاجرة هي أن الجيل الأول يمر بوقت عصيب، حيث يقوم بوظائف برواتب متدنية، ويكره اللغة الجديدة ويعاني التمييز ويكافح لفهم كيف انتهى بهم الأمر إلى حيث هم. ويقضي البعض عقودا مع حقائبهم محزمة في عقولهم، في انتظار العودة إلى الوطن، حتى يتوفوا في الخارج. لكن، خاصة إذا كان لدى العائلة لون بشرة المجموعة الأصلية المهيمنة نفسه، تميل الأجيال التالية ليتم قبولها في المجتمع المضيف.
وقد تم تحديد جورج روبرتسون، وهو جزار من بريستول تزوج من امرأة فرنسية لفترة وجيزة بعد الحرب العالمية الأولى، بعد وفاته على أنه الجد الأكبر لإيمانويل ماكرون. وبشكل مشابه، كانت جدة بوريس جونسون الكبرى فرنسية، وكانت والدة دونالد ترمب اسكتلندية، بينما كان والد البابا فرانسيس وجدة جاير بولسونارو الأكبر من المهاجرين الإيطاليين. وعادة ما يحتفظ الأحفاد فقط بذكريات مبهمة وعاطفية وغير منظمة عن أصول عائلاتهم. وفي هذه الحالات، تستبدل العائلات هوياتها الوطنية القديمة بهوية جديدة.
لكن هناك نتيجة أخرى محتملة، أن يصبح المهاجرون مواطنين عالميين. في تعريفي، فإن هذا يعني الانغماس في ثلاث ثقافات مختلفة على الأقل وفي الوقت الحالي أيضا إتقان اللغة العالمية، الإنجليزية. ويميل المواطنون العالميون إلى الانحدار من الطبقات الاجتماعية العليا. ويتم إيجاد البعض بشكل سلمي، حيث يتحول كثير من المراهقين اليوم لمواطنين عالميين من خلال مشاهدة مقاطع الفيديو في غرف نومهم. لكن في الأغلب ما يكون المواطنون العالميون نتاج انهيار بلداتهم الأصلية.
أصبحت عائلتي عالمية من خلال الهجرة تقريبا في كل جيل، وأحيانا عدة مرات في الجيل نفسه. في الآونة الأخيرة تناولت العشاء في مدريد مع بعض اللبنانيين والأرجنتينيين. حتى مع نشأتهم على بعد ثمانية آلاف ميل عن بعضهم بعضا، فقد فهموا قصص بعضهم على الفور. لقد نشأوا في أسر متعلمة وتعلموا اللغة الإنجليزية الممتازة في المدرسة. وعندما تفككت بلدانهم، سافروا إلى بلدان عدة قبل أن ينتهي بهم الأمر في إسبانيا، التي أصبحت الآن مكانا آمنا. أظن أنهم لن يعودوا إلى مواطنهم أبدا - فالحياة أفضل في مكان آخر.
كان لدى مضيفتي الأرجنتينية طفلة صغيرة. كم من الأرجنتين ستحمل في حياتها؟ ربما اللغة والتعلق بجماعة محبي دييجو مارادونا. كل أمر آخر سيذهب بعيدا، تماما كما قد لا يعرف أطفالي أبدا جنوب إفريقيا التي أتى اجدادهم منها.
عادة ما يشعر المواطنون العالميون بالتهميش. لكن في عالم معولم، لديهم مزايا كبيرة في سوق الأعمال والأفكار. كتب المؤلف جي باسكال زاكاري، "القوي هو الهجين". كونهم يأتون من أماكن تم القيام فيها بالأمور أو رؤيتها بشكل مختلف، فإن المواطنين العالميين بارعون في إيجاد الحداثة. تسامحهم هو أصل من أصولهم، لأنهم يستعيرون الأفكار أو يتعاملون مع أشخاص من أي مكان. ومعارفهم عالميون. ويميلون للاستثمار في تعليمهم الخاص بهم لأنه معهم أينما ذهبوا. ولا يتم تقييدهم بالقيود المفروضة أينما كانوا. ويغتنمون الفرص في أماكن أخرى. قال إيلون ماسك، الذي نشأ في جنوب إفريقيا من أم من كندا، ذات مرة إنه كان سيأتي إلى الولايات المتحدة "من أي بلد" لأنها مكان "يمكن فيه تحقيق الأمور العظيمة".
ينجذب المواطنون العالميون إلى المراكز العالمية، المليئة بالأرواح ذات العقلية والأفكار المتشابهة من كل مكان. إن عدم ثقة السكان الأصليين تجعل هذه الأماكن هشة. ففي 1922، عندما حول الجيش التركي ميناء سميرنا العالمي القديم إلى إزمير التركية، هرب كثيرون من هناك. ومن بين الذين هربوا كان أرسطو أوناسيس البالغ من العمر 16 عاما، وهو ملياردير عالمي مستقبلي. تتخلص هونج كونج وربما لندن اليوم من العالمية. ولكن عندما يحدث ذلك، سيجد المواطنون العالميون ببساطة المركز الناشئ التالي. قد يظل الأشخاص الذين يفرون من بلدانهم اليوم نازحين طوال حياتهم، لكن بعض أحفادهم سيعيدون اختراع العالم.