هل حان الوقت لتجاوز سلبيات الطفرة؟

أنعم الله على هذه البلاد برخاء واستقرار واكبته طفرة اقتصادية. هذه الطفرة الاقتصادية في بداية السبعينيات من القرن الميلادي المنصرم أحدثت تحسنا سريعا وكبيرا أدى إلى انتقال الناس من زمن الفقر والجوع إلى زمن الرفاهية والازدهار. لم يحدث ذلك فقط، بل انتشر التعليم وتحسنت الخدمات الصحية والإسكان، ما أدى إلى تحسن صحة الناس ودخول المملكة إلى مصاف الدول المتقدمة، وما وجودها في "مجموعة العشرين" إلا مؤشر، وما وصلت إليه جامعاتنا من مكانة وسمعة عالميتين إلا نتاج المشاريع التنموية في ظل القيادة الحكيمة. إلى جانب النهضة التنموية الهائلة، فقد أفرزت تلك الطفرة عددا من السلبيات التي تمت معالجة بعضها وبعضها لا يزال! بعض تلك السلبيات تجذرت في المجتمع بحيث أصبحت ثقافة لدى الكثيرين، ومن هذه السلبيات ما يلي:
(1) الاعتماد على الغير سواء في الأعمال المهنية أو الأعمال المنزلية. وقصة من الذاكرة لعلها توضح الفكرة. دعاني أستاذي في الجامعة أثناء البعثة في أمريكا إلى الغداء في منزله، وبعد وصولي إلى منزله أخذني إلى ردهة خارجية خلف المنزل، وبها موقد للشواء، فأشعل الموقد ووضع ثلاث قطع من لحم البقر، وبدأنا الحديث واحتساء الشاي إلى أن جهز الهامبرجر، فأضافت زوجته على طاولة الطعام قطعا من الخبز وصينية صغيرة من الأرز الأبيض تكريما لضيفهم القادم من الخليج، ولكن بيت القصيد ليس هنا! بعد الانتهاء من تناول الأكل اللذيذ، قام أستاذي بحمل صحنه إلى مغسلة الصحون، عندها استوعبت العادات، فأخذت صحني الفارغ وقمت أيضا بتنظيفه ووضعه في المكان المخصص له. هكذا هي بساطة الحياة والاعتماد على النفس!
على العكس من ذلك تماما، يعتمد كثير من أسرنا على العاملة المنزلية، وفي حال عدم وجودها، على ربة المنزل المسكينة - دون مساعدة من الأبناء والبنات - تنظيف صحون الأكل والأعمال المنزلية الأخرى، مثل ترتيب المكان قبل وبعد تناول وجبة الغداء أو العشاء!
هذه السلوكيات وأمثالها ليست بسيطة، بل أفرزت ثقافة الاتكالية والاعتماد على الآخرين ولم تغرس قيم المشاركة ومفاهيمها بين أفراد الأسرة، ما يمتد فيما بعد إلى ضعف قيم روح الفريق في العمل.
(2) "الهياط" والمباهاة والإسراف في الولائم وحفلات الزواج بما يفوق الإمكانات المالية. ومن أبسط الأمثلة ألاحظ أن بعض طلابي يقصدون الكافيهات المعروفة بارتفاع أسعارها على الرغم من انخفاض إمكاناتهم المادية، ولا أنسى ذات مرة، عندما حضرت حفل زواج في إحدى القاعات الفخمة، التي لا تتناسب أسعارها مع الإمكانات المادية لصاحب الدعوة، الذي لم يكتف بذلك، بل استعان بإحدى القنوات الفضائية لتصوير الحدث! لا شك أن هذه الإفرازات و"الهياط" تزيد من عدم رضا الشباب من الجنسين بأوضاعهم المعيشية، لأنهم يعشقون حياة الرفاهية التي يروج لها مشاهير "سناب" ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى في الوقت الحاضر، ما يحمل ميزانية الشاب أو رئيس الأسرة تكاليف مرتفعة تزيد من الضغوط المالية ثم تولد ضغوطا نفسية، قد تفضي في النهاية إلى نتائج سلبية من النواحي الصحية والاجتماعية.
(3) اللامبالاة وعدم احترام الغير وأولويتهم في استخدام الطريق ونحوه.
(4) ضعف الوعي بأخلاقيات المهنة، ما أدى إلى ضعف الالتزام والانتماء للعمل، وعدم تحمل العمل ساعات طويلة.
وأخيرا، لا أقصد التعميم، فهناك نماذج مشرقة ومشرفة من الشباب الذين هم مصدر فخرنا واعتزازنا، ومما يثلج الصدر أن كثيرا من إفرازات الطفرة بدأ يندثر بفضل رؤية المملكة 2030 ومستهدفاتها التي أسهمت في إحداث تغيير اجتماعي واقتصادي إيجابي، فقد دخلت المرأة في مجالات جديدة، وتزايدت أعداد الشباب في القطاع الخاص عموما، وكذلك في الأعمال المهنية خصوصا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي