ألمانيا تتأرجح .. القاطرة الأوروبية على حافة ركود شتوي
وعد بيتر ألتماير وزير الاقتصاد الألماني السابق، بأن ألمانيا ستكون بمنزلة "القاطرة الاقتصادية" التي تدفع العالم خارج أزمة كوفيد- 19، - لكن بدلا من ذلك تبدو البلاد الآن أشبه بالمتقاعسة في أوروبا.
لفترة من الوقت، كانت ألمانيا ركيزة الصمود النسبي، وانكمش اقتصادها أقل من أكثر دول أوروبا في 2020. ومع ذلك، في العام الماضي كانت الدول الأخرى تنتعش بشكل أسرع حتى من المتوقع أن تستعيد إيطاليا مستويات ما قبل الجائحة للناتج المحلي الإجمالي قبل ألمانيا، التي تتأرجح على حافة ركود شتوي.
قال جيليس مويك، وهو كبير الاقتصاديين في شركة التأمين الفرنسية أكسا، "حظيت ألمانيا بنصف أول جيد للغاية من الأزمة، لكن في 2021 انعكست الأمور". مضيفا أن نقاط الضعف في الاقتصاد كانت واضحة، "قبل الجائحة عندما كان أداء ألمانيا ضعيفا بالفعل".
وأوضح الاقتصاديون أن قدرا كبيرا من ضعف الأداء الأخير لأكبر اقتصاد في أوروبا ينبع من تعرضه بشكل أكبر لاختناقات سلسلة التوريد العالمية التي أثرت في التصنيع، فضلا عن الانتعاش الأضعف في إنفاق الأسر.
تم تأكيد مكانة البلد بالقرب من أسفل جدول النمو الأوروبي هذا الشهر عندما قدر مكتبها الفيدرالي للإحصاء أن الناتج القومي نما 2.7 في المائة العام الماضي - أقل من نصف المعدلات الفرنسية والإيطالية المتوقعة وأقل بكثير من توقعات النمو البالغة 5.1 في المائة لمنطقة اليورو بشكل عام.
عندما يتم نشر أرقام الناتج المحلي الإجمالي الفصلية لألمانيا وفرنسا الجمعة، من المقرر أن تؤكد تباين أداء أكبر اقتصادين في منطقة اليورو. ويتوقع المحللون أن ينكمش الاقتصاد الألماني بشكل طفيف في الأشهر الثلاثة الأخيرة من 2021 مقارنة بالربع السابق، بينما من المتوقع أن تنمو فرنسا 0.5 في المائة. وألقى صندوق النقد الدولي هذا الأسبوع باللوم على "اضطرابات الإمدادات" في خفض توقعاته للنمو الألماني لـ2022 من 4.6 في المائة إلى 3.8 في المائة.
تؤكد الرياح المعاكسة القاسية على التحديات التي تواجه الحكومة الائتلافية للمستشار أولاف شولتز، خاصة أنها تخطط لضغط الإنفاق العام في العام المقبل عندما تعود فرملة الديون الدستورية الألمانية إلى حيز التنفيذ.
قال روبرت هابك وزير الاقتصاد الأربعاء الماضي، إن "تداعيات جائحة كورونا ما زالت محسوسة وعدد من الشركات تكافح معها". لكن على الرغم من هذه "التحديات الكبرى"، فقد توقع أن ينتعش الاقتصاد بمعدل نمو يبلغ 3.6 في المائة هذا العام.
بينما يتفق كثير من الاقتصاديين على مصادر نقاط الضعف الأخيرة في ألمانيا، هناك إجماع أقل حول ما إذا كان من المرجح أن تلحق البلاد بالركب بشكل سريع أو أن تبقى في حالة ركود لفترة طويلة.
من المرجح أن تعتمد الإجابة على طول المدة التي تستمر فيها أزمات الإمداد في ترك الشركات المصنعة تفتقر لكثير من المواد من أشباه المولات إلى الليثيوم - ما يمنعها من الوفاء بسجلات الطلبيات القياسية.
قال سالمون فيدلير، وهو خبير اقتصادي في بنك الاستثمار بيرنبرج، "إن ألمانيا اقتصاد مفتوح وتجاري متكامل، لذا فهي أكثر تأثرا بمشكلات الإمدادات التي سببتها الجائحة".
كانت صناعة السيارات في ألمانيا من أكثر المجالات تضررا، حيث انخفض الإنتاج المحلي 12 في المائة العام الماضي إلى 3.1 مليون مركبة – بانخفاض أكثر من 50 في المائة عن مستويات ما قبل الجائحة في 2019.
وكان الإنتاج الصناعي الإجمالي في ألمانيا لا يزال أقل 7 في المائة من مستويات ما قبل الأزمة في تشرين الثاني (نوفمبر)، بينما انخفض في فرنسا 5 في المائة، وفي إيطاليا، ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، ارتفع حتى بشكل طفيف.
قال ماركو فالي، وهو كبير الاقتصاديين الأوروبيين في بنك يوني كريدت في ميلانو، إن ألمانيا تعثرت بسبب اعتمادها الأكبر على صناعة السيارات والآلات والمعدات. وقال "لقد قدمت الجائحة دفعة تعزيزية للبضائع الاستهلاكية وهذا أعلى بكثير لكل من فرنسا وإيطاليا".
ضعف أداء ألمانيا في 2021 مرتبط أيضا بحسب ما يؤكد الاقتصاديون بنقص الإنفاق الأسري، الذي كان لا يزال أقل 2 في المائة من مستويات ما قبل الجائحة في الربع الثالث من العام الماضي، في حين انخفض إنفاق الأسر الفرنسية أقل من 1 في المائة.
وقالت كاثارينا أوترموهل، وهي كبيرة الاقتصاديين في شركة التأمين الألمانية أليانز، "حققت فرنسا انتعاشا أقوى للاستهلاك الخاص. وبينما كانت استجابة ألمانيا المالية أكبر، كان عامل الخوف بين الناس أكبر".
وكافحت ألمانيا لتلقيح الناس بسرعة جيرانها نفسها، حيث تم تلقيح 72.7 في المائة من مواطنيها بالكامل، مقارنة بأكثر من 75 في المائة في فرنسا وإيطاليا. ولكن نظرا إلى أن الأشخاص الذين لم يتلقوا اللقاح يواجهون قيود كوفيد- 19 متزايدة، فمن المرجح أن يؤدي ذلك إلى زيادة تقييد تعافي المستهلكين في ألمانيا.
إن النقص في اليد العاملة عقبة أخرى. حيث قدر ديتليف شيل، وهو رئيس وكالة التوظيف الفيدرالية، أن البلاد بحاجة إلى جلب 400 ألف عامل أجنبي ماهر سنويا - وهذا أكثر بكثير من الذي فعلته أخيرا - لتعويض تأثير شيخوخة قوتها العاملة.
ومن المرجح أيضا أن تتأثر ألمانيا بالتباطؤ في الصين، وهي ثاني أكبر سوق تصدير لها بعد الولايات المتحدة. قال مويك من شركة أكسا، "إذا كانت السوق التي تراهن عليها ألمانيا لأعوام عديدة مخيبة للآمال، فعندئذ، كآلة تصدير، سيكون لديك مشكلة".
قال يواكيم لانج، وهو المدير العام لمجموعة ضغط الأعمال بي دي إي الألمانية، إن انتشار متغير فيروس كورونا، أوميكرون، سيؤدي إلى مزيد من الاضطراب في إنتاج المصانع في الصين ودول آسيوية أخرى الذي "يهدد بالتأثير في سلاسل التوريد مرة أخرى هذا العام".
ومع ذلك، لا يزال معظم الاقتصاديين يتوقعون أن تبدأ ألمانيا في استعادة مكاسبها المفقودة بمجرد تخفيف اختناقات العرض ورفع القيود المفروضة جراء فيروس كورونا. ومع التحفيز المالي النهائي هذا العام - بتمويل من إصدار ما يصل إلى 100 مليار يورو من الديون الإضافية و7.4 مليار يورو من صندوق التعافي للاتحاد الأوروبي - قال كارستن برزيسكي، وهو خبير اقتصادي في بنك إيه إن جي الهولندي، إن البلاد "يمكن أن تنتقل من طرف إلى آخر، من الركود إلى بطلة النمو".
كانت هناك علامات مبكرة على التفاؤل في أحدث استطلاع لمؤشر مديري المشتريات أجرته شركة إيه إتش إس ماركت للشركات الألمانية الإثنين الماضي، الذي أبلغ عن أعلى مستوى له منذ أيلول (سبتمبر) الماضي و"علامات مبدئية على التخفيف" في مشكلات سلسلة التوريد.
توقع فالي من بنك يوني كريدت أن الاقتصاد الألماني سيتخلف عن فرنسا وإيطاليا مرة أخرى هذا العام - قبل أن يتفوق عليهما بنمو قدره 3.8 في المائة في 2023.
وقال، "نتوقع أن تكون اختناقات العرض قد تلاشت في 2023 ومن ثم نتوقع أن يلحق الاقتصاد الألماني بالركب".